مدونة الدكتور محمد محمود كالو


إمامة الصبيان في التراويح

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


17/04/2022 القراءات: 626  


إمامة الصبيان في التراويح

من الأمور الطريفة التي اقترنت -على مدى قرون- بشهر رمضان "إمامة ‏الصبيان" للتراويح في بعض جوامع الحواضر الكبرى وفي الحرم المكي خاصة؛ رغم أنه وقع ‏‏"في صلاة التراوِيح خَلْفَ الصبيان اختلافٌ" بين العلماء في صحتها؛ كما يقول ابن الضياء الحنفي (ت 854هـ/1450م) في "تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام".

ومن أقدم نماذج ذلك تاريخياً ما ذكره الرحالة المقدسي من أن أهل شيراز "يصلون التراويح… ‏ويقدّمون فيها الصبيان".

وما قاله ابن الجوزي (ت 595هـ/1199م) -في "المنتظم"- عن اختيار سلطان البويهيين ببغداد في ‏سنة 395هـ/1006م كلا من أبي الحسين بن الرَّفَّاء وأبي عبد الله بن الزجاجي وأبي عبد الله بن البهلول ‏‏-وكانوا "من أحسن الناس قراءة"- ليكونوا أئمة رسميين "لصلاة التراويح.. وهم أحداث (أي: ‏غير بالغين)، وكانوا يتناوبون الصلاة.. ورغب الناسُ لأجلهم في صلاة التراويح".‏

وقد أصبح عادةً في الحجاز ومصر أن يَؤُمَّ الطفلُ الناسَ في التراويح إذا أكمل حفظ القرآن وأتم ‏اثنتيْ عشرة سنة من عمره.

فقد ذكر ابن جبير أن "ليلة إحدى وعشرين خَتم فيها أحد أبناء أهل مكة…؛ فلما فرغوا منها قام الصبي ‏فيهم خطيباً، ثم استدعاهم أبو الصبي المذكور إلى وليمة في منزله.. ثم بعد ذلك ليلة ثلاث ‏وعشرين، وكان المختتِم فيها أحد أبناء المكيين ذوي اليسار غلاماً لم يبلغ سنه الخمس عشرة ‏سنة…، وحضر الإمامُ الطفلُ فصلى التراويح وختم، وقد انحشد أهل المسجد الحرام إليه رجالاً ‏ونساء، وهو في محرابه".‏

وامتدت عادة إمامة الأطفال في صلاة التراويح بالحرم إلى عصر الرحالة ابن بطوطة (ت 779هـ/1377م) وما بعده؛ ‏إذ يخبرنا في رحلته أنه كان لكل مذهب فقهي محراباً خاصاً بأصحابه، وأنهم ‏‏"في كل ليلة وتر من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن، ويحضر الختم ‏القاضي والفقهاء والكبراء، ويكون الذي يختم بهم أحد أبناء كبراء أهل مكة؛ فإذا ختم نُصب له ‏منبر مزين بالحرير، وأوقد الشمع وخطب، فإذا فرغ من خطبته استدعى أبوه الناس إلى منزله ‏فأطعمهم الأطعمة الكثيرة والحلاوات".‏

وورد في "رفع الإصْر عن قضاة مصر" لابن حجر في ترجمة القاضي الشافعي جلال الدين البُلْقِيني (ت 824هـ/1421م) أنه "حفظ القرآن وصلى به ‏التراويح وهو صغير".
كما أن الإمام ابن حجر نفسه أمَّ الناس في التراويح بالحرم المكي وعمره اثنتا عشرة سنة عام 785هـ/1383م ‏‏"على ما جرت به العادة في مَن يُكمل حفظ القرآن من الأطفال؛ طبقاً للسخاوي في ‏"الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر".

ويذكر السخاوي أن شيخه ابن حجر بعد أن صار إماماً عظيماً "حضر ليلةً من ليالي رمضان بجامع الحاكم للصلاة ‏خلف ابن الكُويز، إذ صلّى للناس التراويح عقب ختمه القرآن على جاري عادة الأولاد".

بل إن الفاسي يفيدنا في "العقد الثمين" بأن قاضي مكة ومفتيها محب الدين ‏بن ظهيرة (ت 827هـ/1424م) "حفظ القرآن الكريم… وصلى التراويح في سنة تسع وتسعين ‏وسبعمئة (799هـ/1397م)"، وعمره حينها عشر سنوات فقط لكونه وُلد عام 789هـ/1387م.‏


إمامة الصبيان، صلاة التراويح، حفظ القرآن، أطفال القرآن


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع