مدونة محمد كريم الساعدي


الوعي والهوية الجمالية / الجزء الثاني

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


03/03/2022 القراءات: 823  


إنَّ إيجاد وعي جمالي في الاعمال الفنية ، أو حتى في الطبيعة التي من الممكن أن تضع عملها الفني على المستوى البيئة وغيرها يكون للفن دور في أحيائها فيما بعد . وللجمال ودراسته دور في خلق الوعي عند المتذوق ، وذلك لأن " علم الجمال يُعنى إذن بالقيم الجمالية كما تبدو من خلال الأعمال الفنية ، وفي هذا الموضوع ، يقول أحد كبار المفكرين في علم الجمال الفرنسي (شارل لالو) إنَّ الطبيعة لها قيمة جمالية إلا عندما تنظر إليها من خلال فن من الفنون ، أو عندما تكون قد تُرجمت الى لغة أو الى أعمال ابدعتها عقلية أو شكّلها فن وتقنية "(2) ما . الطبيعة لوحدها ناقصة في مجال انتاج الهوية الجمالية في الاعمال الفنية عند شعب من الشعوب ، بل لابدّ من مفهوم الجمال بالأساس يعنى بإنتاج القيم الفنية للهوية الجمالية . ويأتي دور مهم آخر هو العمل الفني الذي نبحث فيه الحساسية الجمالية التي تدخل ضمن الجانب الفني في التحول من طبيعة عادية الى قيمة فنية يتناولها الجانب الجمالي .
إذن، لابدّ من وجود عامل ينقل هذه الطبيعة الى مجالها الفني ، وفي هذا المجال الذي قدمه (شارل لالو) يوجد جانبان هما :
1. إنَّ الطبيعة التي لا يمكن أن تكون لها قيمة فنية ،أو نظرة جمالية مالم تدخل ضمن تصورات البناء الفني في نوع من أنواع الفنون حتى تترجم الى صورة ذات بعد جمالي فني قابل للدراسة الجمالية ، وهذا التحول في الرؤية الفنية دليل على أن الفن هو الأساس الذي يشكل الرؤية الجمالية وعلى أثره تؤسس الهوية الجمالية وانتماءاتها القيمية لدى جهة ما، أو مكان ما حسب عائدية الفنان المنتج ، على وفق التصنيفات والدراسات في الفنون الجميلة ، وإذا لم تكن هذه الطبيعة متحولة فنياً فأنها ستبقى بعيدة عن طرح مفهوم القيم الفنية في أطار الهوية الجمالية في ذاتها عموماً.
2. إنَّ الطبيعة التي يقصدها (شارل لالو) هي ليست فقط الطبيعة التي تشير الى الجبال والأشجار وغيرها فقط ، بل يدخل معها كل طبيعة أخرى غير متداخلة مع الفن ، أو هي ليست من ضمن أطار فني ، ومنها الطبيعة الإنسانية ، وهل من الممكن أن نتعامل مع السلوكيات التي تظهر في الاماكن العامة وفي داخل الاسرة ، أو المدرسة وغيرها فهي تختلف عن السلوكيات ذات البعد الدرامي التي يقدمها الممثل المسرحي فهذه السلوكيات مصاغة فنياً . كذلك الكتابة توجد في مجالات أخرى ومن ضمنها التاريخ والعلوم وغيرها فهي تختلف عن الكتابة الفنية ذات الملامح الابداعية الداعية للجمال ، مما تبرّز هذه الكتابة وهذه السلوكيات بطريقة فنية تدرس بشكل جمالي ، وكذلك الاعمال الفنية الاخرى مثل الرسم والنحت وغيرها من الفنون ، تبرّز الهوية الجمالية التي تُنتج من الممارسات والاشتغالات الفنية المختلفة عن الطبيعة عامة والطبيعة الإنسانية خاصة في كل أشكالها.
إنَّ الجمال الذي ننشده في الاشياء الجميلة ينتمي الى فكرة الجمال ، الذي يحدد ملامح الهوية الجمالية ذاتها ، أي إنَّ الموضوع الجمالي يكمن في فكرة الجمال وليس في هدف أخر غيره ، ومن يبحث عن الجمال يجب أن يضع في وعيه أن يكون الجمال في تمييز الهوية الجمالية التي تظهر على ملامح الفترة التي ينتمي اليها ، وهنا يتشكل الجمال في ذاته ولذاته حتى يتحقق المفهوم الذي يصبو اليه . وما يعرف بالجمالي " هو المنسوب الى الجمال ، والشعور الجمالي ، والحكم الجمالي والنشاط الجمال ، وهذا الأخير عند بعضهم لعب ، أو آلية خالية من الغرض تقوم على طلب الجمال لذاته ، لا لنفعته أو خيريته "(3)، وتكوين شعور جمالي يعطي للعيان ظاهرة تبعث بإحساس من الظاهرة ذاتها ، ويتشكل نشاط جمالي ينتج حكم جمالي من ذات الشيء الذي هو موضوع الجمال ، ويتشكل في وعي المشارك في الموضوع الجمالي لحظتين في هذا الإطار :
• الاولى : لحظة مشاركة عملية ناتجة من فعل المشاهدة والتفاعل مع الموضوع في فضاء مشترك بين ما يطلقه الموضوع ، وبين ما يستهدفه الوعي الذي يبحث الظاهرة الجمالية دون منفعة ، أو هدف خارجها ، ويتشكل على اساسها الفعل الجمالي واللحظة الجمالية من خلال الممارسة ذاتها.
• ثانياً : وبعدها يتشكل في داخل الوعي الموضوع الجمالي الثاني ، وهو لحظة تصور وتشبع بالموضوع الجمالي الى حد من الممكن أن يتكون معه صورة إدراكية تطلق أحكام بطبيعة الموضوع الجمال المتمركز في الذهنية المستقبلية . واللحظة العملية تتشكل بعدها لحظة نظرية تنتج حكم بالظاهرة الجمالية من الممكن أن ينتقل مع الوعي ويتبلور في المفاهيم النظرية لحكم الظاهرة الجمالية الخالية من أي منفعة ،أو تصور أخر خارج المعطى الجمالي العام ، وليس من خلال الجزئيات البسيطة التي من الممكن أن تبعد الوعي عن المتعة الجمالية المنطلقة من المواضيع الجمالية الكلية .


الوعي ، الجمال ، الهوية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع