مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


تقسيم الدين إلى قِشْرٍ ولُبٍّ بِدْعةٌ وضلالة

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


21/01/2023 القراءات: 439  


تقسيم الدين إلى قِشْرٍ ولُبٍّ بِدْعةٌ وضلالة
نبغ في هذا العصر أقوام تلقوا هدى الِإسلام من واقع حياتهم أولًا، ولم يحيوا في جو علمى يتأثرون به في حكمهم على الأمور، فراحوا يحتجون ببعض النصوص لِإثبات عكس ما وضعت له، ويسمون الأشياء بغير اسمها.
ويتضح هذا جليًّا فيمن لا يهتمون ببعض الشرائع الظاهرة التي يسمونها (شكليات) أو (قشورًا) ويدندنون فقط حول التمسك (باللباب).
يقول الشيخ محمد إبراهيم شقرة حفظه الله ما ملخصه:
[لقد صارت هذه المقولة المغرضة شعارًا له أنصار ودعاة وأقلام وصحف ومناهج وعقول.
- وبالرغم من هذا الحشد الذى التف حول هذا الشعار فإننا لم نجد حتى الآن ترجمة واضحة له، أو تحديدًا دقيقًا لمعناه، فإن القائلين بهذه المقولة الحادثة، رغم تأكيدهم عليها، والِإكثار من الحديث عنها، فإنهم لم يضعوا تعريفًا أو حَدًّا لما سموه قشرًا، أو لما يسمى لبابًا، ينتهى إليه الراغب في العمل باللباب وحده دون القشر.
وما ذاك إلا لأنها مقولة حادثة مبتدعة، لم يعرفها سلف الأمة ومن تبعهم بإحسان، وإنما هي من نتاج أفكار المهزمين المستعبدين للشرق أو الغرب.
* وإذا حاولنا أن نضع حدًّا تقريبياً، فلنقل:
" اللباب في المأمورات الشرعية هو ما يدخل تحت الحكم الواجب، والقشر هو ما جاوز دائرة الحكم الواجب، واللباب في النواهي هو ما يدخل تحت الحكم الحرام، والقشر هو ما لم يتناوله الحرام الصريح في النواهي " وعلى ذلك: فالقشور في المأمورات: كل مندوب أو مباح، وفي النواهي: المكروهات، وبناءً عليه يجتمع لدينا من القشور ما يزيد على نصف الدين،
ويبقى من لبابه أقل من النصف، فهل يعقل أن ندع أكثر من نصف الدين قشورًا لنأخذ أقل من نصفه لبابًا؟
ٍوأين سيضعون المسائل المختلف عليها بين الواجب والمندوب كصلاة الوتر مثلًا؟
* أضف إلى ذلك أنه ليس شىء من القشور أو اللباب -على حد تعبيرهم- إلا ويدخل تحت حكم الله وخطابه المتعلق بأفعال المكلفين على سبيل التخيير أو الطلب تركًا أو فعلًا، وبالتالي لا يصح تسميته قشرًا على سبيل الاصطلاح الذى افترضناه، ولا على سبيل التهوين والغض من شأنه.
لقد أنزل الله سبحانه دينه على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليبنى به الِإنسان المسلم، فيسعد به في الدنيا والآخرة، ولا يخفي على ذى عقل أن كل أمر ونهي من أوامر هذا الدين ونواهيه تسهم إسهامًا فعَّالًا في بناء هذا الِإنسان، سواءً أكانت من المندوبات أم من المباحات أم من الواجبات، وسواءً أكانت من المكروهات أم من المحرمات؛ لأن جميع هذه الأحكام هي شعب الِإيمان التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: " الِإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الِإيمان " (1)، فأَيُّما شعبة نقصت منها كانت نقصًا من الِإيمان، وأيما شعبة التزمها المسلم كانت زيادة في إيمانه؛ لأن الِإيمان يزيد وينقص بالقول والعمل، وهذا من شعائر أهل السنة، وهو مذهب السواد الأعظم من الأمة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لَتُنْقَضَنَّ عُرَى الِإسلام عُرْوَةً عُرْوَةً، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها: فأولهن نقضًا الحُكْمُ، وآخِرُهُنَّ الصلاة" (1).
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه " (2)، والاستطاعة في إنفاذ الأمر إما أن تكون في الفعل الواحد، كالصلاة مثلًا، فإذا لم يستطع المسلم أن يصليها وهو قائم، وجب عليه أداؤها على الوجه الذي يستطيعه من قعود أو اضطجاع أو غير ذلك.
وإما أن تكون الاستطاعة في مجموع الأفعال، فقد لا يستطيع المسلم أن يصوم لمرض، في حين يكون قادرًا على أداء الصلاة على كل حال، فوجبت الصلاة في حقه، وسقط عنه الصيام إن كان مرضه مزمنًا، وإلا صام حين شفائه، وقد لا يقوى المسلم -لعذر من الأعذار- أن يصلي في المسجد، وهو مأمور بأدائها فيه، فلا يقال: ما دام أنه لا يستطيع أن يصليها في المسجد فلا يصليها، بل يقال: يفعل ما يقدر عليه، ويُعذر فيما لا يقدر عليه.
أما النهيات، فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تجتنبها كلَّها، من غير فرق بين واحدٍ وواحد، فكما أنه نهى عن الزنا، نهى عن النظر المحرم إلى المرأة، وكما أنه نهى عن شرب الكثير من الخمر، نهى عن شرب القليل منها، وكما أنه نهى عن سرقة المال الكثير، فإنه نهى عن سرقة الدرهم والدرهمين، وكما أنه نهى عن الكذب على الأمة كلها، فإنه نهى عن الكذب على الرجل الواحد، فلا يقال هنا: يجتنب ما يستطاع اجتنابه، بل يجب اجتناب كل ما نهى عنه، ولا يعفي إلا عن الناسي أو المخطيء أو المكره] (1) اهـ.
وتقسيم الدين إلى " قشر ولب " تقسيم غير مستساغ، بل هو محدث ودخيل على الفهم الصحيح للكتاب والسنة، ولم يعرفه سلفنا الصالح الذين كل الخير والنجاة في اتباعهم واقتفاء آثارهم {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} (2) وهذه القسمة إلى قشر ولب، ظاهر وباطن -يتبعها المناداة بإهمال الظاهر احتجاجًا بصلاح الباطن- تلقى رواجًا عند المستهترين والمخدوعين، حينما يرون القوم يسمون المعاصي بغير اسمها فيقولون -مثلًا- إن إعفاء اللحية من سنن العادة، بل عدَّ بعضهم إعفاء اللحية وقص الشارب من الأمور العادية التي لا صلة لها بتبليغ الرسالة وبيان الشرع، وعد ذلك من قبيل المندوب بل في ثالث مراتبه بعد السنن المؤكدة وغير المؤكدة، بل قال: (ومن أخذ به على أنه جزء من الدين، أو على أنه أمر مطلوب على وجه الجزم فإنه يبتدع في الدين ما ليس منه) اهـ.
__________
(1) البخاري في الِإيمان: باب أمور الِإيمان (1/ 48، 49): بلفظ: " الِإيمان بضع وستون شعبة "، ومسلم فيه: باب بيان عدد شعب الإيمان رقم (35)، وأبو داود في السنة: باب في رد الإرجاء رقم (4676)، والترمذي في الِإيمان، والنسائي فيه: باب ذكر شعب الِإيمان (8/ 110)، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة رقم (57) بلفظ: " الايمان بضع وستون أو سبعون بابًا ".


تقسيم الدين إلى قِشْرٍ ولُبٍّ بِدْعةٌ وضلالة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع