مدونة بكاري مختار


الإسكندر المقدوني و حضارة الإغريق - الجزء الأول -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


17/04/2022 القراءات: 1143  



تعرف بلاد اليونان القديمة باسم هيلاسي ( Hellas ) وهي تشمل ما يعرف باسم شبه جزيرة البلقان (حديثا)، ومجموعة الجزر المنتشرة في بحر إيجة ( Aegean Sea )؛ وكذلك المدن اليونانية المنتشرة على ساحل شبه جزيرة أسيا الصغري ( Asia Minor ) ، وقد أطلق اليونانيون على أنفسهم تسميه الهيلينيين ؛ ( Hellenes ) ، وإن كان الرومان هم الذين أطلقوا عليهم تسمية الأغريق (Graeci ) ، أما تسميتهم باليونانيين فمرجعه الى اللغات السامية القديمة .
الأغريق شعب عبقري أوضح بشكل حاسم أن للعقل البشري أهدافا محددة بعينها ؛ وصاغ لنفسه فكرة جديدة تماما عن سمات الحياة البشرية ، هذا الشعب الذي أخذ من حضارات الشعوب الأقدم التي سبقته في الحضارة ، واستفاد مما أخذ فائدة كبيرة ، كان على وعي بها وعرفان ، ولكنه عمد إلى إعمال الفكر طليقا من كل القيود ، وكان منطلقه في البحث تجريديا يستهدف حقائق الأشياء أولا قبل الفائدة العملية التي يتبعها تطبيق نتائج البحث في أغراض الحياة اليومية ..
لذلك رأينا الأغريقي يطرح في مجال البحث أكثر المسائل والمشكلات التي لاتزال تواجه الإنسان في العصر الحديث ، ويواجه بشجاعة ذهنية كثيرا من مشكلات البحث ويسعي إلى أيجاد حلول لها ، ومنها مثلا أسس الديمقراطية ومشكلات تطبيقها ، وعلاقة الفرد بالمجتمع ، وحرية هذا الفرد وموقفه من السلطة الحاكمة ..
هذا بجانب تأمل مجرد وتفكير في مشكلات الوجود ، وهو تفكير قدم لنا قدرا مائلا من الفلسفة ، التي هي أكثر الجوانب
اشراقا في التراث الأغريقي بصفة عامة ، والتي تعد قمة الترف العقلي .
ومن ناحية أخري فأن المعاني الأنسانية الخالدة المتضمنة فيما جاءت به دلائل شعراء الأغريق وصاغته أيدي فنانيهم ، قد جعلت من الأدب والفن الأغريقيين تراثا عاما يقرأه الجميع أو يشاهدونه و يلقي أعظم الاستجابة وينال أبلغ الأعجاب ، ويتمثل ذلك بوضوح في.ملحمتي شاعر الأغريق الأكبر هوميروس ، مآسي ( إیسخولوس و سوفوكليس) ، وكوميديا (أرستوفانيس) ،،
ويظهر في قطع النحت المنسوبة إلى (فيدياس) ، أو عمارة معبد ( البارثينون )، أو عمارة قصر ( مينوس) الخالدة
هذه الحضارة الإغريقية سواء في اليونان أو فروعها بالمنطقة العربية أو فارس و آسيا الصغرى و بكل ما أبدعت تربطها علاقات ، مع حضاراتنا القديمة قبلها ؛ والإسلامية التي ازدهرت في ذات المناطق من بعد ذلك ..
فمن حضارة مصر وحضارات الشرق الأدني القديم استمدت الحضارة الإغريقية في مراحلها الباكرة كثيرا من أصولها ، ولعل تيار التأثير المصري القديم في حضارة الإغريق قد استمر بدرجات متفاوتة حتى القرن الرابع قبل الميلاد ، وقد جاء فيه الفيلسوف الإغريقي أفلاطون إلي مصر وتعلم فيها وأفاد .. ،
و إن فتوحات الأسكندر الأكبر في بلاد الشرق في الثلث الأخير من القرن ذاته أوجدت فرصة للقاء قوي ومباشر على أرض الشرق بين الحضارة الإغريقية والحضارة المصرية وغيرها من حضارات الشرق ، فنشأت حضارة جديدة لعصر جديد تعرف في التاريخ باسم الحضارة الهيلينيسية ،
وبعد حلقات من التاريخ يأتي عصر الترجمة التي بلغت أوجها أيام خلفاء العباسيين وهي التى ستنقل العلم الإغريقي و غيره إلى العربية ويأخذ فلاسفة العرب وعلماؤهم عن الفكر الأغريقي كثيرا من المسائل والمشكلات ليعكفوا على دراستها ونقدها ويفيدوا منها وليضيفوا إليها كثيرا ؛ فتنشأ حضارة أخرى جديدة هي الحضارة الإسلامية ؛ لتأتي حقبة الترجمة مرة أخرى عن حضارة المسلمين في الأندلس و غيرها من حواضر الإسلام ليبدأ عصر النهضة الأخير .
كان تاريخ الأغريق في بدايته بلادا منقسمه الي عدد كبير من الوحدات الصغيرة يؤلف كل منها كيانا سياسيا مستقلا ؛ وهذا النظام السياسي الفريد أطلق عليه الإغريق إسم ( Police ) وهو ما يترجم الي الانجليزية باصطلاح ( City-state )
ما نعرفه في العربية باسم : دولة المدينة أو المدينة الحرة .
تمسك الأغريق بهذا النظام لا يرضون عنه ، واعتبره فلاسفة الحكم عندهم النظام الأمثل والوحيد الذي يستطيع أن يعيش في كنفه الرجال الأحرار ..
وقد ظلت بلاد الأغريق تحيا وقتا بهذا النظام بصورة أو بأخري حتي نهاية أيامها ككيان منفرد ؛ حين أخضعتها روما لسلطانها في عام 146 ق .م ..، وجعلت منها ولاية رومانية .
فلا مفر لمن يحاول وضع دراسة لمعالم تاريخ الأغريق عن الاكتفاء بالتركيز على دراسة تاريخ أبرز هذه الوحدات أو المدن التي لعبت دورا.رئيسيا في هذا التاريخ ، و سوف تنصب دراستنا على مدينتي إسبرطة وأثينا .
مع ذلك فإن الإنقسام السياسي كان يقابله وحدة حضارية تشمل الأمة الإغريقية كلها وتتمثل في لغة مشتركة ؛ وتراث أدبي واحد ؛ وديانه مشتركة ؛ ومهرجانات رياضية و العاب جامعة ؛ يشارك فيها كل الأغريق ، وقد زاد انتماؤهم أكثر
بعد استعمارهم الأستيطاني.الكبير التي بدأ في القرن الثامن قبل الميلاد ..
تمسك الأغريق بهذا النظام لا يرضون عنه بديلا كما سنري ، واعتبره فلاسفة الحكم.عندهم هو النظام الأمثل والوحيد الذي يستطيع أن يعيش في كنفه الرجال الأحرار .. وقد ظلت بلاد الأغريق تحيا وقتا لهذا النظام بصورة أو بأخري حتي نهاية أيامها ككيان.منفرد حين أخضعتها روا لسلطانها في عام 146 ق .م ، وجعلت منها ولاية رومانية ..
وعلى الرغم من إعجابنا الشديد بالحضارة الإغريقية ومنجزات ؛ إلا أننا نعجب عجبا شديدا مشوبا بالدهشة لهذا الشعب الذي أبدع هذه الحضارة ؛ كيف فشل في التوصل الي صيغة من الوحدة السياسية تلم شتات دول المدن ، في كل وحدة وتحول دون تبديد طاقته المادية في منازعات وحروب
داخلية !


الاسكندر المقدوني، الاغريق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع