مدونة سعد رفعت سرحت


المرض والثقافة(عن التأثير السحريّ في لغة الأطباء)

سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat


23/12/2022 القراءات: 566  




المرض في تصور الأنثروبولوجيين ليس مسألة بيولوجية عضوية فقط،و إنما هو مسألة ثقافية.لأن المجتمعات تختلف في تصوراتها عن الأمراض،كما تختلف في تصوراتها عن العلاج .
ما يزال الناس يثقون بال(مجبرجي)أكثر من الطبيب،و ما يزالون يتصورون عرق النسا(=عرجنسا)مرضا لا يفهم فيه الأطباء ،و ما يزالون يرون أنّ( إرجاع السرة إلى مكانها)علاج لا يقوى عليه الأطباء .


فهذه القناعات حول الأمراض هي قناعات ثقافية لا تتعلق بالطب بقدر ما تتعلق بالثقافة ،والى ذلك يرى الأنثروبولوجيون(أن المرض مسألة نسبية يتوقف على تصورات المجتمع) فالمرض و الطب يتعلقان بالثقافة مثلما يتعلقان بالبيولوجيا.



في المجتمعات البدائية يتصورون المرض تصورًا دينيًا روحيا يرتبط بالسحر و عمل الأرواح الشريرة، و يرون أن الأمراض تُعالج روحيا،لذلك يلجأون إلى السحرة و الأطباء الروحانيين . أما في المجتمعات المتقدمة فمن المفترض أنْ يتصور الإنسان المرض تصورًأ علميا دقيقا،لذلك يلجأ أفرادها إلى المؤسسات الصحية،و إلّا فعلى الرغم من ثقتهم بالروحانيات إلّا أنّ ثقتهم بالمؤسسة الصحية لا تتزعزع.


يرى جيمس فريزر أنّ السحر و تعاطيه في المجتمعات البدائية أشبه ما يكونان بالعلم والممارسة العقلانية في المجتمعات المتقدمة،فكلا الاثنين السحر والعلم يُقنعان بوجود مبدأ السببية،سوى أنّ العلم يعوّل على مبدأ التراكمية و النقد و إمكان الإصلاح و التطور،أمّا السحر فنظرا لارتباطه بالعقائد فإنه ينزع دأبا الى أن يكون دوغمائيًّا لا يعتري من يعتقد به أدنى شكّ


وهنا نحاول أنْ نقارب،في ضوء ذلك، لغة الطبّ في عالمنا اليوم،سواء في المؤسسات الرسمية كالمستشفيات والمستوصفات و العيادات أم عند العطارين والمختصيين في الطب النبوي.


لغة الطب أبعد ما تكون اليوم عن الدقة والحصافة،لغة غير علمية،ففي الغالب يلجأ الطبيب إلى أساليب الإقناع،نعم قد يبدو ذلك مقبولًا في الطب النبوي حين يُعزّز العلاج بنصوص وآثار دينية قد تفعل في المريض ما لم يفعله العلاج،أمّا في الطب الرسمي فالمسألة ينبغي أنْ تكون مختلفة،ينبغي أنْ يقلّل الطبيب قدر المستطاع من التعبيرات الدينية وأساليب الاقناع،لأنّ الطبّ الرسمي ممارسة وليس فعالية كلامية....


في مجتمع مسلم كمجتمعاتنا،يصعب على المريض التخلي عن الوعظ مثلما يصعب على الطبيب ابتعاده عن ايقاظ المشاعر الدينية لدى المريض،فأنا شخصيًّا أتداوى بالأذكار و الرقى قبل الأدوية على ما يفرض ذلك عليَّ ديني ومعتقدي،.


غير أنّ ركون الأطباء إلى اللغة بصورة ضاغطة يذكرنا بسلوكيات "فتاحي الفأل" والمشعوذين،أمّا عند العطارين فالأمر و إنْ كان خارجًا عن حده،إلّا أنّه مقبول،لأن الطب النبوي غير رسمي، و الذي يُقبل عليه تتسلط عليه قناعات روحية،وعندئذٍ لا يؤاخذ المعالِج على لغته.

.......لا أدري



المرض والثقافة انثروبولوجيا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع