الوصفية و المعيارية و موقع علم الاجتماع منهما.
سعد رفعت سرحت | Saad Rafaat sarhat
13/11/2022 القراءات: 1350
كل علم يهدف إلى وصف الواقع و تقرير الحقائق بالاستناد إلى التجارب فهو علم تقريري وصفي،مثل الفيزياء و الكيمياء و الأحياء علم التاريخ و الجغرافية.....إلخ ،فهذه العلوم تقدّم المعرفة عن الظاهرة فتصف و تقرر بالاستناد إلى التجارب.
و إزاء العلوم الوصفية تأتي العلوم المعيارية لتضمّ إلى دائرتها كل علم غايته معرفة الخير و الشر ،الصحيح و الخطأ،المفيد و الضار ،الحسن و القبيح .
و سميت العلوم المعيارية بهذا الاسم لأن وظيفتها تقييمية، أي أنها تتعامل وفق أحكام القيمة،و وفق معايير و قواعد للعمل و ليس وفق المعرفة العلمية الدقيقة وإن ادّعت الحيادية ،فالدراسة المعيارية واجبها وضع قواعد عملية لكي يسير عليها الدارس_بل حتى أفراد المجتمع _و ينتفعون من خلالها بالسير على مقتضى تلك القواعد وعدم الحياد عنها.
وبهذا فالعلوم المعيارية غائيّة،وتعني الغائية وجود غاية أو مثال أعلى للظاهرة أو للمجتمع ينبغي الوصول إليه، أي البحث عما ينبغي أن يكون عليه النظام الاجتماعي ،و هنا نلحق أنّ الغائية ليست ضمن أهداف البحث الاجتماعي ،بل من ضمن أهداف الفلسفة ،لأن الفلسفة تبحث عن غاية(=مثال أعلى)يجب تحقيقه،بخلاف علم الاجتماع الذي تنصرف جهوده صوب الوصف الأمين للظاهرة التي هي قيد الدراسة ،ولعلّ أشهر العلوم المعيارية(علم المنطق-علم الأخلاق-علم الجمال).
وهنا يُثار هذا السؤال:هل يعدّ علم الإجتماع علمًا وصفيا أو علما معياريًّا؟
حاول علماء الاجتماع الأوائل أن يجعلوا من علم الاجتماع علما وصفيا تقريريا ،و قالوا إنّ أول واجب يقع على عاتق علماء الاجتماع هو إبعاد علم الاجتماع عن المعيارية،لأن علم الاجتماع لكي يكون علما إنسانيا رصينا عليه أن يكون علما مكتفيًا بالوصف والتقرير بعيدًا عن كلّ غاية،بالاستناد إلى أنّ مهمة عالم الاجتماع هو الوقوف على مبعدة من الخوض في التقييم و إطلاق الأحكام و الاندماج الذاتي في الظاهرة،أي ينيغي أن تأتي مواقفه إزاء الظاهرة بعيدًا عن الصحة و الخطأ و أحكام الخير والشرّ والانحياز لنمط اجتماعي معين أو سمة ثقافية معينة ،و لهذا راهن علماء الاجتماع على "الحيادية" بالنظر أن علمهم علم وصفي تقريري و ليس علما معياريا.
يدعي علماء الاجتماع أن نظرياتهم و رؤاهم بعيدة عن الغاية و المعيار ،لأن الغائية و المعيارية كانتا طاغيتين على الدراسات الاجتماعية القديمة ،أما الدراسات الاجتماعية الحديثة، فحسب علماء الاجتماع الوضعيبن، مثل كونت و دوركايم، ينبغي أن تتسم بالموضوعية التامة وتظل في منأى عن ذاتية الباحث واسقاطاته وميوله،و مقتضى ذلك هو ضرورة البحث في(ما هو كائن فعلا) و ليس في (ما ينبغي أن يكون).
إلا أن ذلك لم يكن سوى ادعاءات و شعارات لم يستطع الاجتماعيون الانتصار لها في خطاباتهم النظرية والعملية ،لأن من الصعب جدا أن يتجرد علماء الاجتماع من ميولهم و انتماءاتهم،فمثلا في علم الاجتماع البرجوازي كانت الميول المحافِظة تشكّل ركيزة في متونه النظرية والإجرائية،وفي المقابل كانت الميول الثورية ومناوءة اليمين هما المتسيّدتان في متون علم الاجتماع الاشتراكي .
فقد نشأ علم الاجتماع البرجوازي في احضان الدول الرأسمالية التي كانت البرجوازية تسيطر فيها على كل مؤسسات الدولة،و قد كان هدف علماء الاجتماع البرجوازيون من خلال الدراسات و النظريات التي طرحوها هو الحفاظ على امتيازات البرجوازيين الذين يريدون الحفاظ على مكانتهم و استمرار سيطرتهم ،ولعلّ التسميات التي أطلقها خصوم البرجوازية على هذه النسخة خير دليل على عدم تجرد أصحابها من ميولهم وخلفياتهم الثقافية،فقد أطلق على علمهم (علم الاجتماع البرجوازي-علم الاجتماع المحافظ -علم الاجتماع الرأسمالي).
أما علم الاجتماع بنسخته الرأسمالية فقد شاع في البلدان الاشتراكية وتمكن من تدشين خطاب مضاد يواجه الرأسمالية فكريا مثلما تواجهها على كل الأصعدة ،فقام العلماء بنقد علم الاجتماع البرجوازي ،و عملوا على دراسة المجتمع من منظور اشتراكي ومناوءة تصورات علم الاجتماع البرجوازي التي كانت في نظرهم تخدم النخبة البرجوازية وتبرّر سياساتها و تعزز سيادتها،و تخدم أيضا سعيها الى الاستعمار و استغلال الدول المتأخرة .
الوصفية والمعيارية في علم الاجتماع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة