مدونة ابراهيم بن عزوزي


سلسلة المنهجية 1: بناء الاشكالية

ابراهيم بن عزوزي | Brahim benazzouzi


12/08/2022 القراءات: 586  


تتجلى أهمية المذكرة أو الأطروحة بالدرجة الاولى من خلال الاشكالية، وليس من خلال نتائجها، فقدرتك على تصور موضوع معين بطريقة لم يسبقك بها أحد وتفكيرك في ظاهرة معينة وفق زاوية نظر مختلفة هو ما يحدد أصالة بحثك، لهذا فإن الاشكالية هي الاضافة التي يضيفها الباحث إلى موضوع بحثه، وليس النتائج بالدرجة الأولى.
كلما حاولت اعطاء الاشكالية كامل الوقت كلما كانت النتائج مميزة وتعكس شخصيتك. نعم، الاشكالية تعكس الذات الأكاديمية للباحث وهي ما تعبر عنك وعن عمقك في البحث العلمي، أما النتائج فأنت لا تتحكم فيها فقد تظهر بطريقة لم تكن تتوقعها.
بعد تحديدك للموضوع ورغبتك في طرح الاشكالية، عليك اتباع تسلسل منطقي، وترتيب عقلي للأفكار، من البسيط إلى المعقد، ومن العام إلى الخاص، بطريقة يشعر فيها القارئ بأن الافكار مرتبة ومتناسقة، ولا يوجد فقرة غير مرتبطة بالأخرى.
في طريقة العرض، يجب أن تظهر المقاربة التي يفكر من داخلها الباحث، حيث تجده يحلل الأفكار مستندا على مقاربة علمية واحدة في ميدان تخصصه، فلا يمكن على الاطلاق أن يوظف العديد من الأفكار، ذات منطلقات مختلفة في بحثه، وينتظر أن يصل في نهاية المطاف إلى اضافة شيء علمي حقيقي.
يحاول الباحث صياغة الاشكالية انطلاقا من تفكيره ورؤيته للموضوع، وليس حسب ما ينظر إليه الآخرون، فهذا ما جعل العلم في ميدان العلوم الاجتماعية سطحيا ومبتذلا يسوده تكرار أقوال الآخروين. إذن يقوم الباحث بسرد أفكاره وفق تفكيره الخالص، فإذا وجد نفسه يعرض أفكار أو فقرات عبارة عن بديهيات معرفية، أو مسلمات عقلية منطقية (مثلا الماء يتبخر بالحرارة)، فليس عليه أن يعزز كلامه بمراجع للآخرين، لأن المرجع هو اثبات لفكرة أو تعليل لفكرة ساقها الباحث في اشكاليته، وليس معارف يقوم بإلصاقها مع بعضها البعض بطريقة مرتبة ويقول بأنها اشكالية.
عودة لموضوعنا، البديهيات، والمنطقيات، والمعارف العامة لا تحتاج لمعارف تثبت صحتها لأنه متفق عليها ولا يختلف فيها اثنان، لكن إذا أورد الباحث أفكار ليست محل اتفاق بين باقي الباحثين، وتحتاج لإثبات علمي، في هذه الحالة يعود الباحث لما يسمى بالأدبيات النظرية ويراجع محتواها ويبحث عن دليل علمي يثبت صحة كلامه الذي جاء به، فإذا لم يجد فإن الفكرة التي أوردها تتحول لفرضية علمية يحاول اثباتها في موضوعه.
هذه الطريقة ليست عبارة عن تجميع معرفي لأفكار الغير بطريقة مبتذلة، وإنما هو صياغة حقيقية لإشكالية بحث انطلقت من عقل الباحث، وتأكدت بما توصل إليه غيره.
في بعض المرات قد نقوم بصياغة اشكالية بدون أدنى مرجع ولا حرج في ذلك إذا كانت الأفكار المذكورة بها عبارة عن أشياء بديهية. أما حجم الاشكالية فلا تخضع لعدد الصفحات، بل الاشكالية هي التي تحدد عدد صفحاتها، فبعض الاشكاليات لا تتعدى الصفحة الواحدة، والبعض الآخر يفرض عليك عشر صفحات من الاستطراد المعرفي.
يعتقد بعض الباحثين أنهم مطالبين بجعل القارئ يشعر بالاشكالية ومدى أهميتها، لكن من وجهة نظري هذه نقطة سلبية في البحث، لأنه يفترض أن أي اشكالية بحث هي اشكالية حقيقية وليست بحاجة لأن نجعل القارى يدرك هذا.
يتحدث البعض عن ما يسمى بالدراسات السابقة في الاشكالية، لكن في حقيقة الأمر كل الاطار النظري هو عبارة عن دراسات سابقة قام بها الباحثون من قبل ولخصوها لنا على شكل تعريف أو نظرية، لهذا من السطحية الحديث عن دراسات سابقة بقدر ما نتحدث عن أدبيات نظرية تمس صلب الاشكالية (وليس الموضوع)، فإذا تطلب الأمر ذلك فنعم وبارك، وإذا لم يتطلب فلا تكليف.
العديد من الباحثين لا يفرق بين الاشكالية وتساؤلات البحث ويعتقدون أن الاشكالية هي تساؤلات. الاشكالية هي بناء معرفي على شكل نص، قد نلجأ إلى تفكيكها وتبسيطها على شكل تساؤلات لكي يسهل الاجابة عليها، كما أنه يمكننا الاستغناء على التساؤلات والاكتفاء فقط بذكر أهداف البحث.
د. بن عزوزي ابراهيم.


المنهجية؛ الاشكالية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع