مدونة د حازم الشيخ الراوي


الخطاب الالهي المباشر للمؤمنين الحلقة الثالثة ( الذكر)

د حازم الشيخ الراوي | D.HAZIM AL SHEIKH ALRAWI


11/08/2021 القراءات: 1809  


ورد ذكر الله تعالى في آيتين من آيات الخطاب الالهي المباشر هما الآية 41 من سورة الأحزاب والآية 9 من سورة المنافقون. ففي الآية الأولى يأمر سبحانه الاكثار من ذكره سبحانه بقوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا)، وفي الآية الثانية يحذر الله عباده المؤمنين من اللهو عن ذكره عز وجل كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُون)
وقد جاء الربط بين الايمان وذكر الله تعالى في العديد من الآيات، ومنها قوله تعالى في الآية 2 من سورة الأنفال (انما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم ايمانا وعلى ربهم يتوكلون) وقوله سبحانه بالآية 28 من سورة الرعد (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). فذكر الله من الايمان، بل ان الايمان لا يكتمل الا بالذكر، ووصف تعالى قلوب المؤمنين الذين يذكرونه بأنها مطمئنة بقوله عز وجل في الآية 28 من سورة الرعد (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم الا بذكر الله تطمئن القلوب). ففي ذكره سبحانه يلين القلب وتقمع القسوة كما في قوله تعالى في الآية 22 من سورة الزمر (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّه). وفي الذكر تفرج الكروب، ويرتاح البال، ويهدأ الحال، وينشرح الصدر، ويقترب العبد من ربه. ولذلك قال تعالى في الآية 28 من سورة الكهف (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
وفي مجالس الذكر للمؤمنين تحف الملائكة حولهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَه). وفي الاكثار من الذكر ضمان لتعويد القلب واللسان لضمان تثبيت المؤمن بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ففيها ينطق اللسان بالشهادة عند الغرغرة ويجيب على أسئلة الملكين عند القبر.
كما يتحقق للمؤمن الفلاح في الدنيا والآخرة عند الاكثار من الذكر كما في قوله تعالى في الآية 10 من سورة الجمعة (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وقد وعد الله تعالى الذاكرين والذاكرات ، بالمغفرة والأجر العظيم بقوله تعالى في الآية 35 من سورة الأحزاب فقال تعالى (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) . وحذر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من التشبه بالمنافقين الذين لا يذكرون الله الا قليلا بقوله سبحانه في الآية 142 من سورة النساء ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. وفي هذا الاختلاف بين من يذكر الله من عدمه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ).
ولأهمية الذكر، فقد جاء في ثلاثمائة آية قرآنية كريمة، كما ان ذكر الله هو أكبر من كل العبادات بقوله تعالى في الآية 45 من سورة العنكبوت (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فهو، أي الذكر خير من المال والبنون في الحياة الدنيا كما قال تعالى في الآية 46 من سورة الكهف (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا)، والباقيات الصالحات هي (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر). بل إن حتى الصلاة التي هي عماد الدين أصلا جاءت من أجل الذكر بقوله تعالى في الآية 14 من سورة طه (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).
ولذلك لا بد للمؤمنين أن يذكروا الله في كل الأحوال، في النعم، وفي المصائب، كما لا بد من ذكر الله في القلب، وفي اللسان، في التسبيح، في التهليل، في التحميد، في التوحيد، في التكبير، في الحولقة، في الاستغفار، قياما وقعودا وعلى جنوبهم، بعد الآذان، في الصباح، وفي المساء. وفي كل هذا قال تعالى في الآيتين 190 و191 من سورة آل عمران ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ . ولعل أعظم أنواع الذكر هو تلاوة القرآن الكريم.


المؤمنون .. العقيدة ..


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع