مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


خصائص المصلحة الدولية العليا

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


10/05/2022 القراءات: 1593  



تحمل فكرة المصلحة الدولية العليا مجموعة من الخصائص الذاتية التي تنبع من طبيعة تلك الفكرة ومن أثارها وابرز تلك الخصائص نذكر الأتي:
1. تعتبر المصلحة الدولية معياراً للحكم على صحة التصرفات القانونية الدولية ومتى ما تم التجاوز عليها فان تلك التصرفات تعد باطلة ولا تنتج أثاراً قانونية لا بحق أطراف العلاقة ولا بحق الآخرين.
واستناداً لما تقدم يذهب الفقيه (ماكناير) في إطار توضيحه لأهمية المصلحة الدولية العليا للقول بأن "المجتمع الدولي بات يعترف بوجود قواعد هامة تتعلق بالأخلاق والآداب العامة تتميز عن غيرها من القواعد الأخرى بحكم طبيعتها التي يقتضي احترامها وعدم جواز الاتفاق على خلافها وبحكم صلاتها الوثيقة بالنظام العام الدولي، وهو يرى بان هذه القواعد تقع في قمة التدرج الهرمي لقواعد القانون الدولي، ويضرب مثلاً على ذلك بان المعاهدات التي تبرمها الدول والتي تخالف أحكامها مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة تعد معاهدات باطلة ولا يمكن أن ترتب أثاراً قانونية صحيحة، على اعتبار أن هذه القواعد تقف في المقدمة وتكون ذات صفة شبه تشريعية".
وفي الإطار ذاته نجد بان لجنة القانون الدولي التي شغلها موضوع المصلحة الدولية العليا أكثر من إي موضوع آخر في قانون المعاهدات فتسوق في تقريرها بعض الأمثلة على معاهدات دولية تخالف فكرة المصلحة الدولية العليا وتعتبرها معاهدات دولية باطلة لمخالفتها للمصلحة الدولية العليا للمجتمع الدولي مثل المعاهدات التي تنص على استخدام القوة على خلاف نصوص ميثاق الأمم المتحدة وتلك التي تنظم الاسترقاق أو الاتجار بالبشر أو القرصنة أو الإبادة الجماعية والمعاهدات التي تمس القواعد الحامية للأفراد ...الخ. وهذه القائمة جاءت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر وقد امتنعت اللجنة عن اقتراح إي نص يتضمن تعداد للقواعد التي تدخل في إطار فكرة المصلحة الدولية مؤثرة بذلك أن يتم تحديد هذه القواعد تدريجيا وعلى ضوء ما يجري عليه عمل الدول والمحاكم الدولية.
2. إن المصلحة الدولية العليا تعد الوسيلة التي تستطيع الدول من خلالها استنباط القواعد القانونية وإنتاج النصوص الدولية ما دامت هناك قواعد تتسم بالشمولية والمقبولية من قبل سائر أعضاء الأسرة الدولية، من هنا يرى البعض بان فكرة المصلحة الدولية العليا التي تعبر عن القواعد الشمولية التي حظيت بإسناد واعتراف جميع دول العالم على اختلاف نظمها السياسية والاقتصادية والأيدلوجية، والتي تنصرف أساساً إلى المبادئ العامة للقانون الدولي أو المبادئ الأساسية أو القواعد الأساسية في القانون الدولي والتي هي المعيار لقانونية بقية قواعد القانون الدولي وهذه القواعد تمتاز بأنها أساسية وآمرة.
3. إن القواعد القانونية الدولية التي تنشأ في نطاق فكرة المصلحة الدولية تمتاز بأنها قواعد حظرية، وبالتالي هي قواعد ذات طبيعة خاصة تفوق في قوتها وقيمتها قوة وقيمة باقي القواعد القانونية، فالسمة المميزة للقواعد المرتبطة بالمصلحة الدولية العليا تتمثل في أنها ليست مجرد قاعدة ملزمة لان جميع قواعد القانون الدولي ملزمة للمخاطبين بها، بل إنها قاعدة آمرة (Norme imperative) لأنها قاعدة حظرية (Prohibitive) يمتنع مخالفتها وهي من هذه الزاوية تشكل قيدا على الحرية التعاقدية للدولة والسبب في عدم جواز مخالفتها راجع إلى أهميتها القصوى في الحياة الدولية لان الهدف منها ليس مجرد إشباع حاجات الدول فرادى وإنما هو تحقيق المصلحة العليا للمجتمع الدولي بأسره. وينبغي أيضاً أن تكون تلك القواعد مستمدة من احد مصادر القانون الدولي ومن ثم فلا يتصور أن تكون القاعدة الأخلاقية قاعدة آمرة وذلك ما لم تكن قد تحولت إلى قاعدة دولية ملزمة.
وفي المقابل هناك طائفة من القواعد القانونية غير الحظرية في القانون الدولي وهي قواعد مفسرة أو مكملة وهي الغالبة في الحياة الدولية ولا تتعلق بالمصلحة العليا للجماعة ومن ثم يكون الاتفاق على خلافها جائز.
4. تتميز القاعدة الدولية المقررة لحماية مصلحة دولية عليا بان لها أهميتها في الحياة الدولية ولا يكفي أن تكون القاعدة متعلقة بمصلحة مشتركة وإنما يتعين أن تكون تلك المصلحة حيوية وأساسية بحيث ينشأ عن مخالفتها والخروج على أحكامها مساساً بالضمير الدولي وقد ذهب بعض الفقه للقول إن هذه المصلحة العليا توجد في ثلاث مجموعات للمبادئ وهي:
أ‌. مجموعة المبادئ التي تتعلق بأمن المجتمع الدولي، كالقواعد المتعلقة بتحريم استعمال القوة وتقرير اللجوء إلى الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية.
ب‌. مجموعة المبادئ الإنسانية والأخلاقية، ومثالها القواعد التي تتعلق بالحقوق الأساسية للفرد مثل معاملة أسرى الحرب وتحريم إبادة الجنس البشري.
ت‌. مجموعة المبادئ التي تعتمد على المجموعتين السابقتين معا، ومثالها حق تقرير المصير وحرية البحار.
5. تتميز القواعد القانونية الدولية المرتبطة بالمصالح الدولية العليا بان لها أعلوية وسمو على ما سواها من قواعد القانون الدولي، أي القواعد التي لا يجوز الخروج عليها في اتفاقات تعقدها الدول، وتعتبر قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان اقرب الأمثلة على مثل هذه القواعد، وبهذا الخصوص يذهب الفقيه فيردروس إلى القول بان:(جميع قواعد القانون الدولي المنشئة لغرض أنساني، تعد قواعد منظمة لمصلحة دولية عليا، وعليه لا يمكن منح حق ما هذه الصفة وحجبه عن حق أخر).


النظام الدولي - القانون الدولي - المصلحة الدولية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع