مدونة عبدالحكيم الأنيس


بيان اشتمال الفاتحة على جميع معاني كتب الله للشيخ عبدالعزيز الدِّيريني

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


25/09/2022 القراءات: 935  


هذا تفسير آخر لسورة الفاتحة، بيَّن فيه الشيخ عبدالعزيز بن أحمد الدِّيريني المِصري (612-694) كيف اشتملت سورة الفاتحة على جميع معاني كتب الله المنزلة، ولم يُذكر له عنوان، والمذكور من وضعي. وليس هو "الأنوار الواضحة في تفسير الفاتحة"، ولا مستلًا منه. وقد ذكر بروكلمان له "تفسير الفاتحة" فلعله هو.
وهو مخطوط في مجموع في مكتبة رشيد أفندي في إسطنبول، برقم (728)،
***
جاء في المجموع المشار إليه:
"بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ الإمام العالم العلامة العارف بالله تعالى، سيدنا ومولانا شيخ الطريقة، ومعدن الحقيقة، سيدي عبدالعزيز الديريني رحمة الله تعالى عليه ورضي عنه، ونفعنا بعلومه آمين:
(اعلم أنَّ هذا الاسمَ [الله] هو الاسمُ الجامعُ لمعاني جميع الأسماء.
فمعنى الله: الإلهُ المعبودُ المستحقُّ للعبادة.
الموجودُ القديمُ الذي لا بداية لأزليته، الباقي الدائمُ الذي لا نهاية لبقائه وأبديته.
الصمدُ الذي ليس له شبيهٌ ولا نظير، الواحدُ الذي ليس له شريكٌ ولا وزير.
العظيمُ الذي تفرَّد بالجلالِ، وصفاتِ الكمال.
فهو الحيُّ القيومُ العليمُ السميعُ البصيرُ القادرُ الفعّال لما يريد.
المتكلمُ بكلامٍ قديمٍ أزليٍّ لا يشبهُ كلام خلقه.
والحياةُ، والعلمُ، والسمعُ، والقدرةُ، والإرادةُ، والكلامُ، صفاتُه القديمةُ، الذي لم يزل ولا يزالُ موصوفًا بها مِن غير تشبيهٍ، ولا تكييفٍ.
الملكُ الآمرُ الناهي الذي له التصرفُ المطلقُ في خلقه (لا يُسأل عما يفعل).
ولا يجوز الفكرُ في حقيقةِ ذاته، ولا تكييفِ صفاته.
(الرحمن الرحيم) أرحم الراحمين، والرحمةُ إرادة الإحسان.
وإنما سُمِّيت الفاتحةُ أمَّ القرآن؛ لأنَّ فيها جميعَ معاني كتبِ اللهِ تعالى المنزلة، لكنها في الفاتحة مجملةٌ، وفي سائر القرآن والكتبِ مفصلةٌ.
وبيانُ ذلك:
أنَّ كلَّ آيةٍ فيها الثناءُ الحسنُ على الله تعالى في ضمن قوله (الحمد لله)، وذلك مثل: آية الكرسي، وأول الحديد، وآخر الحشر، وما هو المغني في ذكر الأسماء [كذا].
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ المصنوعات العلوية، والسفلية، كالعرش، والكرسي، والملائكة، والسماوات، والأرض، في ضمن قوله تعالى: (ربِّ العالمين)، فإنَّ العالَمَ لفظٌ يشتملُ على كلِّ ما سوى الله عز وجل، سبحانه وتعالى.
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ نعمِ الله تعالى في الدنيا والآخرة، الباطنة والظاهرة في ضمن قوله تعالى: (الرحمنِ الرحيمِ)، فإنَّ كلَّ نعمةٍ في الوجود هي آثارُ رحمته سبحانه وتعالى.
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ القيامة، والبعث، والجنة، والنار، في ضمن قوله تعالى: (ملكِ يوم الدين)، ومعناه: يوم الجزاء والحساب، والملكُ لله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم، وقد انقطعت الأسباب، وأقرَّ بربوبيتهِ جميعُ الأرباب، وكُشِفَ الغطاءُ وارتفعَ عن القلوبِ والأبصارِ الحجاب.
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ الأحكام الشرعية من العبادات، والمعاملات، فهي في ضمن قوله تعالى: (إياك نعبد)، فإنَّ معنى العبادة: امتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فالفقهُ كلُّه في لفظ (إياك نعبد).
ولما كانت أفعالُ العباد كسبًا لهم نُسِبَت العبادةُ إليهم، وأفعالُهم خلقُ الله تعالى فيهم، فلولا عونُه سبحانه وتعالى وتوفيقه ما عبدَه أحدٌ، فيقول العبد: (إياك نعبد) اعترافًا بالعبودية، وإقرارًا بالربوبية.
ثمَّ يقول (إياك نستعين)، بعونك عبدناك، وبتوفيقك قصدناك.
(إياك نعبد) امتثالًا لأمرك، (وإياك نستعين)؛ لأنَّ الإعانة على العبادة وغيرها من فضلك.
(إياك نعبد) الآن، (وإياك نستعين) على حفظ الخاتمة، فتوفَّنا على الإيمان.
(إياك نعبد) ردًّا على الجَبْرية، (وإياك نستعين) ردًّا على القدَرية.
(إياك نعبد) فَـرْقٌ وشريعةٌ، (وإياك نستعين) جَمْعٌ وحقيقةٌ.
(إياك نعبد) نوحدُك، ونعبدُك، ونعتقدُ أنْ لا معبود يستحقُّ العبادة في السماوات والأرض سواك.
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ نسبةِ الأفعالِ إلى الله تعالى، وذكرُ التوحيدِ المحضِ، والغَيبة عن الوسائط، في ضمن قوله تعالى: (وإياك نستعين).
وكلُّ آيةٍ فيها الطريقُ إلى الله تعالى، وقطعُ المنازل في طلب الوصول، كذكرِ التوبةِ، والإنابةِ، والخوفِ، والخشيةِ، والمراقبةِ، والرجاءِ، وحُسنِ الظنِّ بالله تعالى، والأُنسِ بذكر الله تعالى، وغيرِ ذلك من مقامات السالكين، في ضمن قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)، ومعناه: اللهم أرشدنا إلى سلوك الطريق المستقيم، الذي وفَّقتَ له مَنْ ارتضيتَ وأنعمتَ عليه، حتى وصل إليك، وجنِّبنا طريقَ مَنْ غضبتَ عليه، وطردتَه عن بابِك، وعذَّبته بحجابِك، وطريقَ مَنْ سلكَ بعضَ الطريقِ ثمَّ ضلَّ، وبيَّنتَ له طريقَ الجادةِ ثمَّ تركَ [ربما كان الصواب: ثم زل].
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ منّةِ نعمِ الله تعالى على أحدٍ من النبيين، والصديقين، والصالحين، في ضمن قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم).
وقيل: الذين أنعمتَ عليهم محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه.
وكلُّ آيةٍ فيها ذكرُ اسمِ الأممِ المكذِّبين، والفِرَقِ الضالّين، في ضمن قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
فأولُ الفاتحة ثناءٌ، وآخرُها دعاءٌ، كما ورد في الصحيح.
ثم يقول: آمين، أي استجبْ يا ربَّ العالمين.
ومَنْ تأملَ هذه الألفاظ الوجيزة، انفتحَ له بابٌ إلى المعاني العزيزة، والله الموفقُ المعينُ بمنِّه وكرمه).
تمت والحمد لله رب العالمين".


تفسير الفاتحة. تراث عبدالعزيز الديريني


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع