مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


اثر المصلحة الدولية العليا في واقع العلاقات الدولية

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


10/05/2022 القراءات: 1264  



أنَّ القانون الدولي العام ينظم عددا من القواعد القانونية الآمرة التي تكمن علة وجودها في المصلحة العليا للجماعة الدولية وقد تم تصنيف هذه القواعد إلى عدة مجموعات من بينها قواعد القانون الدولي التي تتعلق بالمصلحة العليا للإنسانية في مجموعها فالمعاهدات التي عقدت بالمخالفة للقواعد التي تحرم الرق وتمنع الاتجار بالنساء والأطفال أو التي تحدد حقوق أسرى الحرب هي معاهدات باطلة، ويترتب على ثبوت الطابع الأمر لهذه القواعد أن المعاهدات الثنائية أو الجماعية التي تتضمن ما يخالفها تعتبر باطلة ولا تلزم أطرافها أنفسهم ولا يمكن للقضاء الدولي أن يقر حكمها.
من هنا نجد انه من الأمثلة التي يقدمها الفقه على القواعد الدولية المقررة لحماية مصلحة دولية عليا، القواعد التي ترد في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والتي تمثل حصيلة توافق عالمي بشأن قيم إنسانية، بدأت تشكل قواعد قانونية دولية تعبر عن فكرة المصلحة الدولية العليا وتتمتع بقوة قانونية ملزمة، ولاسيما النصوص المتعلقة بحقوق حرمة تلك المواثيق وعدم جواز تعليق نفاذها في أي حال من الأحوال، حتى في حالات الحروب أو الطوارئ التي تهدد وجود الدولة، كما جاء في المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، كما وردت الحقوق نفسها في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، بحيث تمس هذه الحقوق بالمصالح العليا ولا يجوز انتهاكها سواءً أوردت في إعلانات أو اتفاقيات دولية وتلتزم بها الدول سواءً أكانت منظمة للاتفاقية الدولية أم لا.(21)
من جانب آخر أثبتت فكرة المصلحة الدولية العليا قدرتها على التطبيق العملي في شتى فروع القانون الدولي العام ففي القانون الدولي الإنساني نجد هذه الفكرة واضحة وجلية بين مختلف القواعد القانون الدولية المنظمة للمنازعات المسلحة حيث كما تعتبر القواعد المنظمة لقوانين الحرب وأعرافها قواعد ترتبط بالمصلحة الدولية العليا، فتحليل طبيعة اتفاقيات ولوائح لاهاي على سبيل المثال يظهر مدى إلزامها، فانه يكشف بان هذه الاتفاقيات واللوائح تتضمن قواعد قانون دولي ذات طبيعة مختلطة، بمعنى أنها تعد قواعد اتفاقية بالنسبة للدول الأطراف في هذه الاتفاقيات ، كما إنها من جهة أخرى تعد قواعد عرفية بالنسبة لباقي الدول غير الأطراف فيها. ونتيجة لهذه الطبيعة المختلطة أو المزدوجة، تصبح هذه الاتفاقيات ملزمة لكل دول العالم. ذلك لأنه من ناحية كونها قواعد اتفاقية وان أساس هذا الإلزام يأتي من ارتباطها بالمصالح الدولية العليا التي جاءت تلك القواعد لغرض صيانتها والحفاظ عليها.
وقد تختلف التفسيرات التي يعتمدها الفقه لإضفاء صفة السمو على تلك القواعد إلا إنها في نهاية المطاف تبقى تحمل خاصية أساسية كونها ترعى مصلحة دولية عليا جديرة بالحماية والاهتمام، فهي إذن ملزمة لجميع الدول الأطراف فيها . سواءً أكانت عرفية، فان الأمر المستقر بأن الدول جميعها تلتزم بالعرف سواءً اشتركت في تكوينه أم لم تشترك. وبالتالي تصبح هذه الاتفاقيات الكاشفة عن قواعد عرفية موجودة فعلاً قبل عقد هذه المعاهدات. ملزمة لكل دولة سواءً كانت طرفاً فيها أم لا.(23)
وتبرز أهمية فكرة المصلحة الدولية العليا في إطار الواقع الدولي من خلال التعامل مع فكرة الأمن الدولي، فإذا أراد المجتمع الدولي أن يصل إلى تطبيق سليم لهذه الفكرة والنهوض بمتطلبات الأمن والسلم الدوليين فلا بد له من أن تحرص دوله على الحفاظ على المصلحة الدولية العليا لان إقرار الأمن والسلم الدولي يقف في مقدمة مقاصد المجتمع الدولي ويتربع سلم الأولويات بين المصالح الدولية المعتبرة.
كما ان القواعد التي تتعلق بالمصلحة العامة الدولية وتمنع استعمال القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية وتدعو إلى مبدأ حرية البحار العامة وتلك التي يكون موضوعها إنساني أو تمدني أو أخلاقي تعتبر قواعد لا يجوز مخالفاتها لان انتهاكها يأتي بالضرر على النظام العام الدولي، فالقوة الآمرة التي تتميز بها هذه القواعد إنما تستمدها من النظام العام الذي على ما يبدو يمثل البيئة والمناخ الفلسفي والخلقي الذي تترعرع فيه القواعد الآمرة وتقوم لحمايته.
ولدى الموضوعية المثالية أن حرية الدول ليست مطلقة في تحديد مضمون المعاهدة وان تلك الحرية مقيدة بقواعد النظام العام الدولي ومن أمثلة قواعد النظام العام الدولي لدى فقه هذه الموضوعية القاعدة التي تحرم استخدام القوة وقواعد حماية حقوق الإنسان الأساسية فهذه تتجاوب مع الضمير القانوني العالمي، وتؤيد الموضوعية الاجتماعية فكرة القاعدة الدولية الآمرة وهي فكرة ترسم حدودها بما سماه الأستاذ جورج سل (المشروعية الدولية العليا) ومؤداها إن القانون الدولي العرفي يشتمل على قواعد معينة تمتلك قيمة عليا وتلتزم بها الدول كافة سواء فيما تمارسه من نشاط داخل إقليمها أو فيما تبرمه من اتفاقيات مع غيرها ولا يكون لها حق في استبعادها وتطبيق أحكام أخرى مغايرة لها ومن بين هذه القواعد تلك التي تحمي الحريات والحقوق الفردية كالحق في الحياة الذي لا يتوائم مع الحروب والحق في سلامة الجسم الذي يتأذى من الاتجار بالرقيق والحق في المرور والتجارة الذي يتعارض مع الغلق التعسفي للحدود.


النظام الدولي - القانون الدولي - المصلحة الدولية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع