مدوّنة الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب القباطي


العلوم النّقليّة والعقليّة في تراثنا الإسلاميّ (2)

الأستاذ المشارك الدّكتور منير علي عبد الرّب | Associate Professor Dr. Muneer Ali Abdul Rab


26/04/2022 القراءات: 1958  


ثانيًا: العلوم في تراثنا الإسلاميّ
تراثنا الإسلاميّ يجمع مع الرّقيّ الكمّيّ والكيفيّ فضل السّبق على الحضارة المادّيّة المعاصرة في شتّى أوجه المعرفة ومختلف فروع العلوم. وسوف نذكر في هذا المطلب غيضًا من فيض من علماء المسلمين الّذين برعوا في العلوم المادّيّة أو التّجريبيّة - بغضّ النّظر عن عقيدتهم، فكثير منهم كان متأثّرًا بالفلسفة، مجانبًا لمنهج أهل السّنّة والجماعة-؛ ففي فرع البصريّات المتعلّق بعلم الطّبيعة أو الفيزياء: نجد أنّ الحسن ابن الهيثم ت (430هـ) هو أوّل من وضع علم البصريّات منذ حوالي ألف سنة، وكان لهذا العِلم الأثر العظيم في الحياة المعاصرة، إذ إنّه يبحث في سقوط الأشعّة والضّوء على الأجسام الثّقيلة، وبهذا العلم اتّصلت نظريّات الضّوء، وانفتح الباب أمام مخترعات كثيرة، واستحقّ ابن الهيثم به أعظم التّقدير من علماء أوروبّا.

وفي علم الكيمياء: نجد أنّ جابر بن حيّان ت (199هـ) أسّس هذا العلم، وهو الإمام في هذا المضمار الّذي اتّكأت أوروبّا بعد نهضتها على كشوفاته وابتكاراته، فترجمت كتابه المسمّى بالاستتمام، ونقلته إلى اللّغة اللّاتينيّة سنة 1682م؛ لتتعلّم منه ما لم تكن تعلم. وفي علم الرّياضيّات نجد أنّ محمّد بن موسى الخوارزمي ت (نحو 232هـ) هو واضع علم الجبر بأمر المأمون العبّاسي في القرن التّاسع الميلاديّ، وعنه أخذت أوروبّا، ولا زالت تسمّيه باسمه العربي (الجبر). وأولاد موسى الخوارزمي، وهم: محمّد وأحمد والحسن، هم الّذين وضعوا المعادلات الرّياضيّة، وعلى هدي تلك البداية العربيّة للرّياضيّات، كانت تلك المخترعات الهائلة، كالصّواريخ والأقمار الصّناعيّة والرّاديو وسواها كثير.

وفي فنّ الطّبّ: نجد أنّ ابن سينا ت (428هـ)، والكنديّ ت (نحو 260هـ)، وأبا بكر الرّازي ت (311ه)، وابن الكتّانيّ ت (نحو 420هـ)، وابن النّفيس ت (687هـ)، وغيرهم كثير، كان لهم باع طويل وأثر عميق في هذا الفنّ، بل إن أوّل مدرسة طبّيّة أنشئت في قارة أوروبّا على نظام محكم، هي الّتي أنشأها المسلمون في أسبانيا. ((Al Ghazali, d.n, Al Qarani, http://www.7bebk.com/t1446, 18.05.2006


استقت أوروبّا من روافد الحضارة الإسلاميّة العلوم والمعرفة؛ في الطّبّ، والهندسة، والحساب، والكيمياء، والفيزياء، وسائر أنواع الفنون الحضاريّة، وبنوا أسس النّهضة الحديثة الّتي لاحت بوادرها في القرن الثّامن عشر، وازدهرت في القرن العشرين. قال وِل ديورَان في كتابه (قصّة الحضارة) مؤكّدًا ومنصفًا: وجملة القول أنّ ابن سينا أعظم من كتب في الطّبّ في العصور الوسطى، وأنّ الرّازيّ أعظم أطبّائها، والبيرونيّ أعظم الجغرافيّين فيها، وابن الهيثم أعظم علمائها في البصريّات، وجابر بن حيّان أعظم الكيميائيّين فيها، إلى أن قال: وقد نمت في علم الكيمياء الطّريقة التّجريبيّة العلميّة، وهي أهمّ أدوات العقل الحديث وأعظم مفاخره. ولمّا أن أعلن روجر بيكن هذه الطّريقة إلى أوروبّا بعد أن أعلنها جابر بخمسمائة عام، كان الّذي هداه إليها هو النّور الّذي أضاء له السّبيل من عرب الأندلس، وليس هذا الضّياء نفسه إلا قبسًا من نور المسلمين في الشّرق ((Will Durant, 1988. وقال دلامير: إنّنا إذا أحصينا راصدَين أو ثلاثة من الرّوم، رحنا نعدّ كثيرين من العرب المسلمين في هذا الفنّ، ممّا دلّ على بعد غورهم في علم الأفلاك ((Muhammad Kurd, 2017.


تراث، علوم نقليّة، علوم عقليّة، علماء المسلمين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع