أ . د. هاشم حسين ناصر المحنك


المعلوماتية بين التراث وعصر الانترنت

البروفيسور الدكتور هاشم حسين ناصر المحنك | Prof. Dr. Hashim Hussain Nassir AL – Muhannak


12/03/2022 القراءات: 1712  


أخذت المعلومات منذ انبثاق الخليقة ، مكانتها الحيوية ببعديها الاستراتيجي والتكتيكي ، وتأخذ أبعاد منها الملكية سواء كانت خاصة أو عامة، ومنبعها ومصدرها الخالق عز وجل، أو الإنسان بما امتلكه من قدرات وإمكانات وصفات ومميزات ، ذاتية أو مكتسبة بالتعلم والتعليم ، وكذلك تأخذ بٌعدها الخصوصي بالفرد أو يتسع ويتدرج ليشمل الجماعات والمجتمعات والشعوب والمشاريع، أو تكون مدنية أو حكومية، وقد تكون شخصية المعلومة ، جماعية أو عالمية الأهمية والنفع كما يحصل للفكر الإنساني – العلمي والأدبي، وهناك المعلومات التقليدية وغير التقليدية ..
وبطبيعة الحال ؛ تختلف المعلومات وتطوريها وتطور آلياتها وطبيعة استقبالها وخزنها ومصادرها وتخصصها وأساليب الخزن واسترجاعها، وتوقيت وموقع وأبعاد الإفادة منها، وكيفية وماهية الإفادة منها، وكيفية الإفادة منها كمعلومة خام أو مصنّعة جزئياً أو كلياً، وما كانت عليه المعلومة والتعامل وفقها عبر مراحل تطورها وتطور الأجهزة الداخلة فيها المعلومة، حتى الوصول إلى مرحلة اختراع الحاسوب والانترنت وأساليب الاتصال والفضاء المعلوماتي، والتضخم الهائل الذي أصبحت عليه المعلومات وسبل الإفادة منها..
ومرورنا يبدأ بهُدى القرآن الكريم، الذي جعل المعلومات بشكل عام بثلاثة خطوط :
1- خط المعلومات التاريخي؛ وعلى سبيل المثال المتمثل بالأحداث التاريخية التي تجعلنا لا تكرار ولا ازدواجية في الأداء والنتيجة المحتملة أو الأكيدة ، كأن يكون الفساد في الأرض السياسي والقيادي والإداري والمالي والسلوكي .. إلخ، ونماذجه الجبابرة في الأرض الذين يهلكون النسل والحرث وكل ما بمر بطشهم فيه، أو النماذج الخيِّرة وفي مقدمتهم الأنبياء والرسل والصالحين، وهي واضحة وبلا دليل في الكتاب الكريم، وحصيلتها (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46) سورة الحج ..
2- خط المعلومات الآنية أو ما يضع الحاضر من معلومات أمامنا ؛ كالإلتزام بالأخلاق الإسلامية السمحة وانعكاساتها على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات بكل أشكالها، كما هو يبدأ في (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) سورة الملك، وهنا لابد ّ من معلومات نتيجة المشي هذا ليكون الهدى والرزق في العلم والعمل وبقويم السلوك ..
3- خط المعلومات المستقبلية، وتشمل على معلومات ذات نفع مستقبلي للذات والمحيط بما فيه المخلوقات والبيئة ، بقوتها وضعفها ، وبفرصها ومخاطرها وتهديداتها ، وقد يشمل الآني والمستقبلي ، والمستقبلي يتمثل بالدنيا فقط ، أو الدنيا والآخرة، أو يتحدد آثارها في الآخرة، والآيات في هذا المجال كثيرة (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32)سورة الأنعام، وما يتقي الإنسان عقوبة ذلك اليوم إلاّ بالعمل وفق قويم المعلومات ، والنفع سيدها ومصدر أخلاق كل عمل ، والعقل ومرور المعلومات من خلاله لتكون نتيجته السلوك القويم والعمل الصالح..
وكإنسان ومعلومات وبنظرة خاطفة ، بدايتها كانت ( وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) سورة البقرة، وجمع سبحانه وتعالى في آدم عليه السلام، بين كونية المعلومات والمعلومات الكونية لِما تقدّم منها وما تأخر ، امتدت لتكون معلماً لقويم المعلومات المتمثل (وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) سورة البقرة، وهنا تتبين المعلومات والوثوق المطلق لمصدرها، والحاجات والإشباع وتنمية وتطوير وتوجيه المعلومات وتخصصها التربوي وأثرها التكويني والتشريعي، وكيفية الإفادة من المعلومات المتوافرة، وما قابلها من معلومات تدميرية للفكر والنفس والسلوك والمتمثلة في (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) سورة الأعراف ، وهنا وكأنّ الفيروس المقتحم الملفات يشكل منظومة معلومات مضادة ..
وحدث آخر (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) سورة النمل
وللمعلومات ووثوق مصدرها أهمية بالغة لكل مناحي الحياة واستقرارها وتطورها وتماسكها كمجتمعات وكمؤسسات ، لذا يقول الخالق عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) سورة الحجرات ، يعني الاهتمام بالمعلومات ومصدرها الموثوق لحماية كل شيء ، فعلى أساسها ووفقها يكون البناء للإنسان ومشاريعه ومستقبله ، من غير تطفُّل الفاسق ، المُحمِّل المعلومة بفسقه البُعد المركب لتدمير الشخص الحقيقي أو المعنوي مروراً بالأسباب والنتائج ، واستقبال المعلومة بعاطفية وليس مرورها بالعقل ، يحقق الجهالة في ردود الأفعال ، ولربما آثاره الجهل ال


المعلومات ، التراث ، عصر الانترنت


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع