مدونة الدكتور محمد محمود كالو


من عادات القرآن (الكليات) (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


05/11/2022 القراءات: 817  


من عادات القرآن (الكليات)
إن القرآن في البيان والهداية كالروح في الجسد، والكهرباء في الكون، إذا اشتدت فأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فأنفاس الحياة الآخرة، تُعرف هذه الأشياء بمظاهرها وآثارها، ويعجز البلغاء عن بيان كنهها وحقيقتها، فكذلك القرآن سر من الأسرار، أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض، وليس على العقول والأفئدة شيء ألذ من تكشف هذه الأسرار، وإزاحة الأستار، وهي لا تظهر إلا بتدبر وتفكر، وتأمل ونظر، ومما ينبغي على المتدبر معرفته هو أن يكون على دراية بأثر معرفة الكليات في القرآن الكريم.
والمراد بكليات القرآن ما يطلقه بعض المفسرين على لفظ أو أسلوب بأنه يأتي في القرآن على معنى مطرد، وهو المصطلح المقابل لمصطلح (الجزئيات) .
وقد نشأ استعمال مصطلح الكليات في سائر العلوم بالنظر إلى وضعها اللغوي في دلالتها على الشمول، باعتبار كلمة (كل) من صيغ العموم الواضحة والصريحة، ومن المألوف المعهود أن الكلام إذا استهل بلفظة (كل) دل على الاستغراق ومفهوم الكلية غالباً، ومنه (الكلالة) لإحاطتها بالوالد والولد.
وهذه الإطلاقات الكُليّة تبيِّن مصطلحات القرآن في الألفاظ والأساليب، فيكون اللفظ الكلي مصطلحاً قرآنياً خاصّاً.
ولا تكون هذه الإطلاقات إلا بعد استقراءٍ للقرآن الكريم، وهذه الأحكام بعد الاستقراء إما أن تكون كلية لا تنخرم، وعليه فهي قاعدة مرجحة عند الاختلاف؛ لأن الاستقراء التام حجة، أو تكون منخرمة بأمثلة فيبيِّن المفسِّر هذه الأمثلة، وعلى هذا تكون الأحكام أغلبية، ويمكن الاستفادة منها في الترجيح.
وقد كان لمفسري الصحابة والتابعين ثم من جاء بعدهم عنايةٌ بهذه الكليات، وكان أول من ذُكِر عنه أنه جمعها في كتاب الإمام اللغوي أحمد بن فارس (ت:395هـ)، في كتابه الموسوم «بالأفراد»، وقد بقي من هذا الكتاب نقولات نقلها الزركشي في «البرهان في علوم القرآن»، والسيوطي في «الإتقان في علوم القرآن»، وكتاب «معترك الأقران»، وقد زاد السيوطي عليها شيئاً قليلاً.
وللراغب الأصفهاني في «مفرداته» اهتمام بهذه الكليات، وقد جمعها في الفهرس محقق المفردات «صفوان داوودي».
ولأبي البقاء في «كلياته» عناية بهذه الكليات، حيث ذكر تحت كل لفظة قرآنية كلياتها إن وجد».
وَقَدِ اسْتَوْعَبَ أَبُو الْبَقَاءِ الْكُفُوِيُّ فِي كِتَابِ «الْكُلِّيَّاتِ» فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِهِ كُلِّيَّاتٍ مِمَّا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَعَانِي الْكَلِمَاتِ، حيث ذكر تحت كل لفظة قرآنية كلياتها إن وجد.
وقد خصَّ الكليات بمبحثٍ في مقدمة كتابه (التحرير والتنوير) العلامة الطاهر بن عاشور وسماه: «عادات القرآن»، ويعد ابن عاشور هو أول من عقد للكليات عنواناً مستقلاً، ونبه على أهميتها للمفسر، وقد استقرأ بنفسه كثيراً من ‌عادات ‌القرآن في ألفاظه وأساليبه، وهذا ميدان جم الفرائد، غزير الفوائد، ثمين اللطائف، عظيم الأسرار.


عادات القرآن، الكليات، الشمول، الإطلاقات الكُليّة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع