مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (4)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


06/03/2023 القراءات: 362  


فقد المسلمون مواقعهم الأولى، وأخذوا يقاتلون دون تخطيط، بل لم يعودوا يميزون بعضهم، فقد قتلوا اليمان رضي الله عنه- والد حذيفة بن اليمان - وهو شيخ كبير وابنه يصيح فيهم: أبي. فأجهزوا عليه فقال حذيفة رضي الله عنه : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين


ولم ينفع بأس المسلمين وحرارة قتالهم ما دام لا تحكمه خطة منظمة، فأخذوا يتساقطون شهداء في الميدان وقد فقد المسلمون اتصالهم بالرسول صلى الله عليه وسلم وشاع أنه قد قتل، وأسقط في يد المسلمين، ففر كثيرون منهم من ميدان القتال، وقد حكى القرآن خبر فرارهم والعفو عنهم فقال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} آل عمران 155

وانتحى بعضهم جانبا فجلس دون قتال ،في حين آثر آخرون الموت على الحياة بعد فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أنس بن النضر رضي الله عنه الذي كان يأسف لعدم شهوده بدرا ويقول: "والله لئن أراني الله مشهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله كيف أصنع"، فلما رأى في أحد بعض المسلمين جلوسا محتارين قد توقفوا عن القتال وألقوا أسلحتهم ،قال لهم : "ماتنتظرون ؟"
فقالوا :قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال :"ماتصنعون بالحياة من بعده ؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " ثم قال :
"اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ،يعني المسلمين ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء يعني المشركين،"

ثم تقدم فلقيه سعد بن معاذ رضي الله عنه ،فقال :أين يا أبا عمر ؟ ،فقال أنس رضي الله عنه:"واها لريح الجنة ياسعد ،إني أجده دون أحد" ثم مضى فقاتل حتى قتل ووجد في جسده بضع وثمانون أثرا من بين ضربة بسيف ورمية بسهم وطعنة برمح حتى ما عرفته أخته بعد المعركة إلا ببنانه
ونزلت فيه وفي أمثاله من المجاهدين الصادقين هذه الآية {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} استطاع المشركون أن يخلصوا قريبًا من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صمدت فئة قليلة كانت حول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي ثبت في الميدان ولم تزعزعه الأحداث كما هو شأنه عليه الصلاة والسلام في سائر المواقف الصعبة، فكان يدعو أصحابه ويناديهم :"هلموا إلى ،أنا رسول الله "، كما حكى القرآن الكريم {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}

وخلص بعض المشركين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش فقال: "من يردهم عنا وهو رفيقي في الجنة؟" فقاتلوا عنه واحدا واحدا حتى استشهد الأنصار السبعة

وبقي الرسول صلى الله عليه وسلم في القرشيين فقط، ففي الصحيحين عن أبي عثمان رضي الله عنه قال‏:‏ "لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير طلحة ابن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما" ، و كانت أحرج ساعة بالنسبة إلى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفرصة ذهبية بالنسبة إلى المشركين، ولم يتوان المشركون في انتهاز تلك الفرصة، فقد ركزوا حملتهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وطمعوا في القضاء عليه

رماه عتبة بن أبي وقاص بالحجارة فوقع لشقه، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى، وكُلِمَتْ شفته السفلي، وتقدم إليه عبد الله بن شهاب الزهري فَشَجَّه في جبهته، وجاء فارس عنيد هو عبد الله بن قَمِئَة، فضرب على عاتقه بالسيف ضربة عنيفة شكا لأجلها أكثر من شهر إلا أنه لم يتمكن من هتك الدرعين، وقال‏:‏ خذها وأنا ابن قمئة‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يمسح الدم عن وجهة‏:‏ ‌‏(‏أقمأك الله‏)‏ ‏.‏

وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كسرت رَبَاعِيَته، وشُجَّ في رأسه، فجعل الدم يسيل على وجهه ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول‏:‏ ‌‏(‏كيف يفلح قوم شجوا وجه نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله‏)‏، فأنزل الله عز وجل‏:‏ ‏{‏لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏128‏]‏ ‏.‏
فأخبره الله سبحانه وتعالى بأن ذلك ليس ببعيد إن أراد الله هدايتهم ، فقال عليه الصلاة والسلام لما طمع بإسلامهم‏:‌‌‏ "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون‏ "

ولا شك أن المشركين كانوا يهدفون القضاء على حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن القرشيين سعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما قاما ببطولة نادرة، وقاتلا ببسالة منقطعة النظير، حتى لم يتركا ـ وهما اثنان فحسب ـ سبيلا إلى نجاح المشركين في هدفهم، وكانا من أمهر رماة العرب فتناضلا حتى أجهضا مفرزة المشركين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فأما طلحة بن عبيد رضي الله عنه فقاتل قتالا مشهورا حتى شلت يده بسهم أصابها ، فعن جابر رضي الله عنه قال :" فأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‌‏(‏من للقوم ‏؟‌‏)‏ فقال طلحة‏:‏ أنا، ثم ذكر جابر تقدم الأنصار، وقتلهم واحداً بعد واحد، فلما قتل الأنصار كلهم تقدم طلحة‏
قال جابر‏:‏" ثم قاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه، فقال‏:‏ حَسِّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‌‏(‏لو قلت‏:‏ بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون‏)‏، قال‏:‏ ثم رد الله المشركين ‏".

‏ وقد جرح رضي الله عنه يوم أحد تسعاً وثلاثين أو خمساً وثلاثين، وشلت إصبعه، أي السبابة والتي تليها ‏، وروي البخاري عن قيس بن أبي حازم قال‏:‏ "رأيت يد طلحة شلاء، وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد‏.‏ "

وقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ‏:‏ ‌‏(‏من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله‏)‏ ‏، وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا ذكر يوم أحد قال‏:‏ "ذلك اليوم كله لطلحة‏.‏ "


سلسلة السيرة النبوية 🔻 غزوة أحد (4)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع