مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


10/12/2022 القراءات: 680  


الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق ، فحسن الخلق يوجب التحاب ، والتآلف والتوافق ، وسوء الخلق يثمر التباغض ، والتحاسد ، والتدابر .
ومهما كَانَ المثمر محمودًا ، كَانَتْ الثمرة محمودة ، وحسن الخلق لا تخفى فِي الدين فضيلته ، وَقَالَ الله تَعَالَى لنبيه : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ، وَقَالَ  : « أَكْثَر مَا يدخل الْجَنَّة تقوىً وحسن الخلق » . وَقَالَ أسامة بن شريك قلنا : يَا رَسُول اللهِ مَا خَيْر مَا أعطى الإِنْسَان ؟ فَقَالَ : « حسن الخلق » . وَقَالَ  : « بعثت لأتمم مكارم الأَخْلاق » .
وَقَالَ  : « أَثْقَلُ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ » . وَقَالَ  : « الْمُؤْمِنُ أَلِفٌ مَأْلُوفٌ ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ » . وَلأَبِي عَبْد الرَّحْمَنِ السَّلَمِيّ فِي آدَابِ الصُّحْبَةِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ : مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِخْوَان صَالِحِينَ .
وَلِلإِخَاءِ أربع خِصَال : الأُولَى : الْعَقْلُ الْمَوْفُورُ الْهَادِي إِلَى مَرَاشِدِ الأُمُورِ

بِإِذْنِ اللهِ فَإِنَّ الْحَمَقَ لا تَثَبِّتْ مَعَهُ مَوَدَّةٌ وَلا تَدُومُ مَعَهُ صُحْبَةٌ ، لِعَدَمِ مُرَاعَاتِهِ حُقُوقِ الإِخَاءِ .
وَالْخُصْلَةِ الثَّانِيَة : الدّيِنِ الْوَاقِفِ بَصَاحِبِهِ عَلَى الْخَيْرَاتِ ، فَإِنَّ تَارِكَ الدِّينِ عَدُوٌ لِنَفْسِهِ يُلْقِيهَا فِي الْمَهَالِكِ ، فَكَيْفَ يُرْجَى مِنْهُ نَفْعٌ وَمَوَدَّةٌ لِغَيْرِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : اصْطَحِبْ مِنَ الإِخْوَان صَاحِبَ الدِّينِ ، وَالْحَسَبِ ، وَالْرَأْيِ وَالأَدَبِ ، فَإِنَّهُ عَوْنٌ لَكَ عِنْدَ حَاجَتِكَ ، لأَنَّ دِينَهُ يُحَتِّمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ، لأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَيَدٌ عِنْدَ نَائِبَتِكَ ، وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ رَأْيَهُ ، وَحَسَبَهُ ، وَأُنْسٌ عِنْدَ وَحْشَتِكَ لأَدَبِهِ .
وَمِنْ كَلامِ بَعْضِ الْعَارِفِينَ : الأَخُ الصَّالِحُ خَيْرٌ مِنْ نَفْسِكَ ، لأَنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ، وَالأَخُ الصَّالِحُ لا يَأْمُرُ إِلا بِالْخَيْرِ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ يَكُونَ مَحْمُودُ الأَخْلاقِ ، مَرْضِيّ الأَفْعَالِ ، مُؤْثِرًا لِلْخَيْرِ ، آمِرًا بِهِ لِخَلِيلِهِ ، كَارِهًا لِلشَّرِّ دِيَانِة ، وَخُلُقًا ، نَاهِيًا عَنْ الشَّرِّ مُرُوءَة وَحَسَبًا ، فَإِنَّ مَوَدَّةَ الشَّرِّيرِ تُكْسِبُ الأَعْدَاءَ ، وَتُفْسِدُ الأَخْلاقِ ، وَلا خَيْرَ فِي مَوَدَّةٍ تَجْلِبُ عَدَاوَة ، وَتُورِثْ مَذَّمَةً وَمَلامَة .
وَقَدْ ضَرَبَ النَّبِيُّ  مِثْلَيْنِ لِلْجَلَيْسَ الصَّالِحُ ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ ، فَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُول اللهِ  : « مِثْلُ الْجَلَيْسَ الصَّالِحِ ، وَالْجَلَيْسَ السُّوءِ ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ ، وَنَافِخِ الْكَيرِ ، فَحَامِل الْمِسْك إِمَّا أَنْ يَحْذِيكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعُ مِنْهُ ، وَأَمَّا أَنْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً ، وَنَافِخٌ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدْ مِنْهُ رِيحةً خَبِيثَةً » . مُتَفَقٌ عَلَيْهِ .
هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنْ الْجَلَيْسَ الصَّالِحَ جَمِيعَ أَحْوَالِ صِديقه معه خَيْر وبركة ونفع ومغنم مثل حامل المسك الَّذِي تنتفع بما معه منه ، إما بهبة ، أَوْ ببيع أَوْ أقل شَيْء مدة الجلوس معه ، وَأَنْتَ قَرِيرِ النَّفْسِ ، مُنْشَرِح الصَّدْرِ ، بِرَائِحَةِ المسك

وَهَذَا تَقْرِيبٌ ، وَتَشْبِيهٌ لَهُ بِذَلِكَ وَإِلا فَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ الْعَبْدُ مِنْ جَلِيسِهِ الصَّالِحُ أَبْلَغُ وَأَفْضَلُ مِنْ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ ، فَإِنَّهِ إِمَّا أَنْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا تَنْفَعُكَ فِي دِينِكَ ، وَإِمَّا أَنْ يُعَلِّمُكَ أُمُورًا تَنْفَعُكَ فِي دُنْيَاكَ ، أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا ، أَوْ يَهْدِي لَكَ نَصِيحَةً تَنْفَعُكَ مُدَّةَ حَيَاتِكَ ، وَبَعْدَ وَفَاتِكَ أَوْ يَنْهَاكَ عَمَّا فِيهِ مَضَرَّة لَكَ .

فأنت معه دائمًا في منفعة ، وربحك مضمون بإذن الله فتجده دائمًا يرى أنك مقصر في طاعة الله فتزداد همتك في الطاعة ويجتهد في الزيادة منها وتراه يبصرك بعيوبك ويدعوك إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها بقوله وفعله وحاله .
فالإنسان مجبول على التلقيد والاقتداء بصاحبه ، وجليسه والطباع والأرواح جنود مجندة يقود بعضها بعضًا إلى الخير أو إلى الشر وأقل نفع يحصل من الجليس الصالح انكفاف الإنسان بسببه عن السيئات ، والمساوي والمعاصي ، رعاية للصحبة ومنافسة في الخير وترفعًا عن الشر والله الموفق .
ومن ما فيستفاد من الجليس الصالح أنه يحمي عرضك في مغيبك ، وفي ضرتك يدافع ويذب عنك ومن ذلك أنك تنتفع بدعائه لك حيًّا وميِّتًا . وأما مصاحبة الأشرار فهي السم الناقع ، والبلاء الواقع ، فتجدهم يشجعون على فعل المعاصي ، والمنكرات ، ويرغبون فيها ويفتحون لمن خالطهم وجالسهم أبواب الشرور ويزينون لمجالسيهم أنواع المعاصي .

ويحثونهم على أذية الخلق ، ويذكرونهم بأمور الفساد التي لم تدر في خلدهم ، وإن همَّ بتوبة وانزجار عن المعاصي حسنوا عنده تأجيل ذَلِكَ ، وطول الأمل ، وأن ما أَنْتَ فيه أَهْوَن من غيره ، وفي إمكانك التوبة ، والإنابة إذا كبرت في السن .
وما يقلدهم به ويكسبه من طباعهم أكثر من ما ذكرنا ، وَكَمْ قادوا أصحابهم إلى المهالك . وَاللهُ أَعْلَمُ وصلى الله على مُحَمَّد وآله وسلم .

اللَّهُمَّ امنن عَلَيْنَا يا مولانَا بتوبة تمحو بها عنا كُلّ ذنب وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المسلمين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ . وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .


الألفة ثمرة حسن الخلق ، والتفرق ثمرة سوء الخلق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع