مدونة بكاري مختار


الإسكندر المقدوني و حضارة الإغريق - الجزء الثاني -

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


17/04/2022 القراءات: 931  


لقد قيل إن نظام دولة المدينة ، بما أتاحة من تنافس بين الاغريق قد ساعد على أزدهار حضارتهم ، ولكنه كان في الوقت نفسه من أشد عوامل ضعفهم السياسي الذي بدأت
أعراضه تنتاب العالم الإغريقي منذ أوائل القرن الرابع ..
تري هل كان محتما أن يدفع الإغريق لإزدهار حضارتهم ثمنا فادحا من قوتهم السياسية ؟!
وهل كان قدرا مقدورا أن تغزو ثقافة الأغريق العالم القديم في قوة واقتدار ، بينما وقفت بلادهم عاجزة عن مقاومة
الضغط السياسي الخارجي أو الغزو العسكري الذي وجدها لقمة سائغة ؟ !
نعم ، لقد أتي فيليب المقدوني إلي بلاد الأغريق في عام 358 ق .م ؛ بسياسة مرسومة هدفها السيطرة على تلك البلاد .. وينتهي الأمر بانتصار فيليب في موقعه خايرونيا ( Chaeronea ) ..
وهكذا فرض فيليب الوحدة بالقوة والقهر تلك الوحدة التي أباها الأغريق طوال قرون تاريخهم الماضية ، وبموت فيليب عام 336 ق.م ؛ خلفه ابنه الأسكندر ، الذي قضي على كل أمل قد راود الأغريق في التحرر من هذه الرابطة التي أوجدها فيليب ، ..
ويبطش الإسكندر بلا رحمة بأول مدينة إغريقية تحاول الإنفصال ، وبذلك تكون نهاية حياة المدن الحرة ...
والإغريق لا يرون في مقدونيا دولة إغريقية ولا يرون في ملوكها ملوك إغريق بل عفوا : لا يكادون يفرقون بينهم وبين الفرس مثلا !!
إنتشرت جيوش الإغريق بقيادة الأسكندر لتصل الي آسيا الصغري والشام ومصر وبلاد الفرس بل الي مشارف الهند ! وبموت الإسكندر تنقسم إمبراطوريته بين قادته ، وينتظر العالم الإغريقي في شرق البحر المتوسط ظهور روما الفتية لتقوض ما بقي للأغريق وتضمه و تضمهم الي إمبراطوريتها .
(*1) *بتصرف
وفي عالم اليونان القديمة موضوعان استحوذا على اهتمام غير عادي منذ القدم وحتى يومنا هذا ، وهما هوميروس والإسكندر الثالث المقدوني،
ما سر جاذبيتهما على مر العصور ؟! كلاهما يطرح تساؤلات جادة يبدو كثير منها بلا جواب وربما تستحيل معرفة هوية هوميروس أو الإسكندر الحقيقية !!!
وتعزى الصعوبة في اكتشاف طبيعة الإسكندر إلى طبيعة ما وصلنا من شواهد تسبغ عليه شخصيات مختلفة متعددة؛ فمع أن حقيقة وجود فرد يعرف باسم الإسكندر الثالث المقدوني ليست محل شك، فإننا نجد أنفسنا في مواجهة أكثر من إسكندر واحد؛ ومن ثم فالجدل الأكاديمي المحيط بهوميروس والإسكندر له جذور عميقة و لقد أثار نقاشا محتدما .
فبفضل قوة شخصية الإسكندر يجري تقديمها للجماهير فيما لا يحصى من الكتب والمقالات والقصص المصورة والوثائقيات والأفلام الطويلة، التي كلف إنتاج أحدها، وعنوانه «الإسكندر» وأخرجه أوليفر ستون، مئات الملايين من الدولارات، وستنتج أفلام أخرى يقينا في محاولة لاكتشاف الإسكندر الحقيقي.
ونتيجة لذلك، توجد بالفعل صور مختلفة كثيرة جدا لهذا
الملك المقدوني، وتواصل هذه الصور بالازدياد .
إن طبيعة الحياة في مقدونيا منتصف القرن الرابع تقرر المعالم الأساسية في قصة أي فرد عاش في مملكة مقدونيا القديمة .. فالمعروف أن فيليب أبا الإسكندر أنشأ مملكة موحدة امتدت من البحر الأدرياتي مرورا بشمال بحر إيجة وحتى الأراضي الواقعة على ساحل البحر الأسود شمالا وعلى نهر الدانوب.
والطريقة التي ضمت بها هذه الأراضي إلى المملكة عامل آخر له دور في العالم الذي ولد فيه الإسكندر ونشأ حتى صار رجلا. وتكشف عملية التوحيد التي اتبعها فيليب عن الأدوات التي يحتاج إليها الموحد المستقبلي الذي صار إليه الإسكندر لدى «وراثته» الملك،.وتكشف التوترات التي تمخضت عنها .
وفيليب الثاني - أبو الإسكندر - كان متألقا في إنجازاته ؛ فما هو ذلك الميراث البدني والمزاجي وعلى وجه الخصوص الإنجازات الذي تركه لابنه ؟
وماذا عن أمه أوليمبياس ونسبها وشخصيتها ؟ وهل يبرز دورها كابنة الأسرة المالكة في مملكة إبيروس.قبل زواجها بفيليب وفيما بعد كزوجة للملك المقدوني ؛ هل ستؤثر بقوة في تكوين الإسكندر ؟
ترتبط قصة مقدونيا القديمة ارتباطا وثيقا بقصة اليونان، للقرب الجغرافي أولا ؛ وللتفاعل المشترك ثانيا ؛ الذي فرضته
فترة الحروب الفارسية في أوائل القرن الخامس،..حينما استشعر الإغريق والمقدونيين آثار المحاولات الفارسية للتوسع في غرب بحر إيجة في أواخر القرن السادس وأوائل القرن الخامس ق.م ..
كان ذلك الإحساس بوجود عدو مشترك لهما رابطا محوريا؛ مما جعل من «انتقام» الإغريق من الفرس مجهودا مشترگا لذلك الاتحاد الرسمي. وكان للتفاعل بين اليونان ومقدونيا دلالته أيضا من الناحية الثقافية،.وكان مصدر أحد جوانب التأثير الثقافي على الإسكندر معلمه الفيلسوف أرسطو المولود
في مدينة أسطاغيرا الإغريقية في شمال بحر إيجة؛
إن سلامة تراب المملكة كانت تقتضي قوة عسكرية فعالة دائمة التأهب ؛ فماذا كانت ركائز تلك المملكة ؛ وهيكل مقدونيا الاجتماعي وتنظيم جيشها ومتطلبات نجاحها العسكري؟
لقد رأت مقدونيا واليونان رأي العين قوة الإمبراطورية الفارسية التي كان ملكها أحشويرش من القوة بمكان - كما روی هیرودوت -: «لماذا اتخذت یا زیوس هيئة رجل فارسي واسم أحشويرش بدلا من زيوس لكي تدمر اليونان، ومن خلفك كل هؤلاء الرجال؟ كان بإمكانك فعل هذا دون كل هذه
الجهود» (الكتاب السابع، 56).
فكيف يطمح ملك مقدوني بأي حال أن يهزم مثل هذا
الحاكم القوي الذي يتربع على عرش أكبر إمبراطورية قامت في تاريخ الشرق الأدنى القديم حتى ذلك الزمان؟
وبما أن الإسكندر نجح في إلحاق هزيمة بالفرس، صارت قوة التقاليد الفارسية وتأثيرها على الإسكندر علم آخر في عالمه.
(*2) * بتصرف


الاسكندر المقدوني، الاغريق


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع