مدونة د. محمد ناجي عطية


تحليل الاحتياجات التنموية مدخل لرفع الكفاءة والفعالية في أداء القطاع الخيري (2 /2 )

محمد ناجي عبد الرب عطية | Mohammed Nagi Abdulrab Atiah


11/04/2022 القراءات: 2128  


بقلم د. محمد ناجي عطية ، باحث في المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) جدة - السعودية

2 /2

وهذا يقودنا إلى مفهوم الفعالية Effectiveness، التي عُرِّفت بعدَّة تعريفات أبسطها: «عمل الأشياء الصحيحة: Doing right things»، وهذا لا يعني توفير الوقت والجهد والمال فحسب، كما هو في مفهوم الكفاءة، بل أيضًا تحقيق الأهداف المخطَّط لها وأفضل النتائج المطلوبة .
فقد تكون عملية صعود السلَّم الطويل المرهق في وقت قياسي لأداء مهمَّة ما، عملًا جيِّدًا لإثبات كفاءة الأداء، لكنَّ هذا العمل لن يكون كافيًا إلا إذا توفَّر عنصر آخر ملازم له بالضرورة؛ مفاده أن يكون السلَّم مستندًا إلى الحائط الصحيح دون غيره، بصفته الهدف أو السبب الوحيد لإنشاء العمل ابتداءً، وإلا فما فائدة تلك الكفاءة في الأداء إذا لم تحقِّق الهدف بعينه؟ بل قد يُعَدُّ نوعًا من الهدر وسوء التخطيط؛ وهذا العنصر هو ما أسميناه الفعالية.

إنَّ أيَّ اختلال في مفهومي الكفاءة والفعالية؛ كاستخدام إجراءات تعزِّز مستوى الكفاءة بمعزل عن دراسة آثارها والنظر في مدى صحَّة هذه الإجراءات ومدى تحقيقها للفعالية؛ يؤدِّي إلى الهدر وضعف الإنتاجية.

إنَّ الأداء المطلوب هو الذي يعكس الإنتاجية، والتي تتكوَّن من: النتائج والمخرجات المباشرة على المدى القريب، والغايات المطلوب تحقيقها على المدى البعيد، وفي هذا تعبير عن ضرورة وجود البعد التشغيلي والاستراتيجي في تفكير قادة المنشأة، إذ إنَّه لا يمكن الحكم بأنَّ المؤسسة قد حقَّقت مستويات عالية من الأداء إذا كان ذلك قد كلَّفها موارد أكثر من الموارد المخطَّط لاستعمالها، أو قصَّرت في تحقيق الأهداف بالجودة المطلوبة وفي الزمن المحدَّد (
.
وبناءً عليه، فإنَّ من الخلل أن تخضع المنشآت إلى طرق تفكير معينة ينتج عنها اتِّخاذ قرارات استراتيجية أو تشغيلية تؤدِّي إلى توجيه العمل والموارد إلى اتِّجاه لا يجمع بين الكفاءة والفعالية معًا في التفكير؛ مثل: الاهتمام بالوسائل بمعزل عن غاياتها، أو الاهتمام باللوائح والنظم والمبالغة في ذلك، أو الإغراق في استخدام التقنية والوسائل المساعدة الأخرى، وكلُّ ذلك دون دراسة وافية لعلاقاتها بالاحتياجات الحقيقية أو الغايات النهائية للمنشأة. فهذا السلوك كثيرًا ما يوقعها في فخِّ العشوائية والارتجالية وتوجيه القرارات والأنشطة والموارد إلى اتِّجاهات قد تَحِيد بها بعيدًا عن تحقيق القدر المخطَّط له من احتياجات المستفيدين، ممَّا يسبب الهدر، وهو فقد الأموال والجهود وضياعها، إما بصرف قدر زائد على الاحتياجات، أو بما لا يحقِّق الغايات.

وهذا يقودنا إلى العامل الأكثر أهمية والذي يؤثِّر بشكل مباشر في الربط بين مفهومي الكفاءة الفعالية، ويحقِّق الإنتاجية والأداء الأمثل؛ وهو تحليل احتياجات المستفيدين الذين تخدمهم مؤسَّسات المجتمع ومنها جميع الجهات الخيرية، فإنها من المفترض أن تصمِّم أعمالها وبرامجها وتوفِّر مواردها المادية والبشرية بناءً على تلك الاحتياجات، بصفتها أساسًا لوجودها مع برامجها وأنشطتها كافَّةً.

ويشكِّل تقدير احتياجات المستفيدين من خدمات الجهات الخيرية حجرَ الأساس في تحقيق أهدافها الاستراتيجية؛ كونه يوفِّر المعلومات الأساسية التي تعتمد عليها خططها، ويساعدها في ترتيب أولويات الخدمات التي تقدِّمها للمستفيدين، فضلًا عن بناء الرؤى التنموية المستقبلية للمجتمعات (5).
والاحتياج أو الحاجة تعني الفرق بين الحالة المرغوبة والواقع الفعلي الحالي، وتُعَرَّف بأنها: حالة عدم توازن يشعر بها فرد أو جماعة أو مجتمع، نتيجة الإحساس بالرغبة في تحقيق هدف معيَّن يحتاج تحقيقه إلى توفُّر إمكانيات أو موارد معينة .

والاحتياج التنموي هو كلُّ ما تحتاج إليه عملية التنمية لمجتمع معين من موارد مالية وبشرية وبناء قدرات وغيرها، هذه الاحتياجات تُعكَس في شكل خطط وبرامج ومشاريع يحتاج إليها المجتمع، وتلبِّيها الجهات المهتمَّة بالجوانب التنموية في المجتمعات، ومنها الجهات الخيرية .

أما عملية تحليل الاحتياجات التنموية للمستفيدين أو تقييمها فتعني: دراسة مجتمع معيَّن من حيث توفُّر موارده التنموية (الطبيعية، والبشرية، والمجتمعية)، وتحديد المشكلات التنموية وترتيب أولوياتها، وتحديد الأنشطة التنموية اللازمة لمعالجة تلك المشكلات (6).
كما تعني تحديد الفجوات التنموية بين الظروف الراهنة والأوضاع المطلوب الوصول إليها، وغالبًا ما يُستخدَم هذا التحليل بوصفه مدخلا لتحسين حياة الأفراد أو برامج التعليم والتدريب، أو المنظَّمات، أو المجتمعات المحلية .

وعملية تحليل الاحتياجات التنموية أداة مهمَّة من أدوات إدارة العمل التنموي، فهي تساعد في بناء قدرة أفراد المجتمع على الإسهام في تحديد مشكلاتهم وتحليلها، والمشاركة في التفكير في الحلول الممكنة، واتِّخاذ قرارات بشأن أفضليات الأعمال التي تُؤَدَّى باستخدام الموارد المتاحة، كما تساعد في وضع الخطط التنموية وَفْق رؤية أعضاء المجتمع أنفسهم
.
وتأتي أهمية عملية تحليل الاحتياجات وتقديرها من كونها أداةً مهمَّة تؤدِّي إلى التحديد الدقيق لاحتياجات المجتمع بشكل عامّ، واحتياجات المستفيدين من برامج التنمية (الرعاية والإغاثة في الظروف الطارئة) بشكل خاصّ، مصحوبةً بتوفير معلومات أساسية بدرجة عالية من الدقَّة حتى يُعتمَد عليها في اتِّخاذ القرارات المستقبلية، وبناء الخطط التنموية التي تلبِّي الاحتياجات الحقيقية للمستفيدين، مع تقديم أفضل المقترحات للاستخدام الأمثل للوقت والموارد المتاحة، والطرق الممكنة لتحسين البرامج والخدمات، فضلًا عن الترتيب الموضوعي لأولويات الأنشطة والبرامج المستخدمة، والتقدير الموثوق لحجم الموارد والاحتياجات المطلوبة .

المقالة الأصل منشورة في موقع المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد ) على الرابط https://medadcenter.org/articles/5359


تحليل الاحتياجات - التنمية - الكفاءة- الفعالية - محمد ناجي عطية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع