مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


مظاهر الخصوصية في إطار الخطاب الإسلامي

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


07/08/2022 القراءات: 2522  


مظاهر الخصوصية في إطار الخطاب الإسلامي
الأستاذ المساعد الدكتور وسام نعمت إبراهيم السعدي/ كلية الحقوق - جامعة الموصل / wisamalsaad@uomosul.edu.iq
كما سبق وان ذكرنا بان هناك من يربط بين طرح مصطلح الخصوصية في إطار أدبيات حقوق الإنسان بالحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام، والذي جاء نتيجة لصعود التيارات الإسلامية وظهور الحركات الإسلامية ووصول بعضها إلى السلطة كتجربة الثورة الإسلامية في إيران ، كانت هذه التطورات قد أكدت أهمية الاستقلال عن الغرب والدعوى إلى المحافظة على الخصوصية والتميز وذلك من منطلق إن منظومة الحق في الإسلام ملزمة باعتبار أن مصدرها الإلهي وبالتالي هي تكاليف وليست مجرد حقوق انطلاقاً من الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض في مواجهة مقولة القانون الطبيعي التي تأسس عليها الإعلان العالمي. كما إن مناصري الخصوصية في إطار الحقوق الأسرية ينطلقون من وجه نظر ترى أن الوثائق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان هي وثائق معبرة عن ثوابت الثقافة الأوربية وتراعي خصوصيتها وهي ثوابت تختلف قليلاً أو كثيراً عن ثوابت الثقافات الأخرى، ومن هنا بدأ هؤلاء ينتقدون الطرح العالمي لحقوق الأسرة ويقدم هؤلاء بدائل مناسبة عن هذا الطرح فعلى صعيد المجتمعات التي تدين بالإسلام تم تقديم مجموعة من لوائح لحقوق الإنسان في الإسلام أو من وجهة نظر تراعي الخصوصية المتصلة بالقيم والثوابت الشرعية الإسلامية وكان من بينها الإعلانات الآتية :
1. إعلان حقوق الإنسان وواجباته في الإسلام الصادر عن رابطة العالم الإسلامي عام 1979.
2. البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس الإسلامي الأوربي في لندن عام 1980.
3. البيان العالمي لحقوق الإنسان في الإسلام الصادر عن المجلس نفسه عام 1981.
4. مشروع وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام الذي قدم إلى مؤتمر القمة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في الطائف في كانون الثاني 1981.
5. مشروع حقوق الإنسان في الإسلام الذي قدم إلى المؤتمر الخامس في طهران في كانون الأول 1989.
ويمكن القول بأن التعارض بين الخصوصية والعالمية هو ليس مجرد خلافات مفتعلة أو صراعات يتم استغلالها سياسياً أو أيدلوجيا بل هي بالفعل قضايا يبدوا فيها نوع من التعارض الفعلي الذي قد يتسع وقد يضيق بين مرجعيات مختلفة.
ومن مظاهر التعارض بين الطرح العالمي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والطرح الذي يراعي الخصوصية والذي يمثله الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان يمكن ملاحظة مجموعة من التقاطعات ما بين منظومة كونية (عالمية) يمثلها الأول دون مراعاة لخصوصيات المنظومات الأخرى وبين منظومة تحقق الخصوصية المطلوبة كونها تراعي تحقيق الانسجام مع المتطلبات الدينية والقيمية والأخلاقية ونذكر على سبيل المثال بعض التطبيقات لما تقدم:
1. ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الثانية انه: (لكل إنسان الحق دون تمييز خصوصاً من حيث القومية أو اللون أو اللغة أو الدين أو الاعتقاد السياسي.... في التمتع بالحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان).
ويقابلها في الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان مادة ورد فيها :( جميع الناس متساويين في أصل الكرامة الإنسانية ، وفي أصل التكليف والمسؤولية دون تمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو الإقليم أو الجنس أو الانتماء السياسي أو الوضع الاجتماعي أو غير ذلك من الاعتبارات). حيث يستثنى هذا الإعلان (الدين) من هذه الاعتبارات انطلاقاً من النزعة العالمية والكونية للإسلام نفسه من حيث انه دين وهو متمم لجميع الأديان السماوية ومكمل لها.
2. وفي موضوع الزواج يرد في نص المادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان النص الأتي: (لكل رجل وامرأة بالغين الحق في الزواج وتشكيل العائلة دونما تحديد عرقي أو قومي من حيث الجنسية أو الدين). أما الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان فتنص المادة الخامسة منه على ما يأتي: ( للرجال والنساء الحق في الزواج ولا تحول دون تمتعهم بهذا الحق قيود منشؤها العرق أو اللون أو الجنسية)، وذلك دون ذكر الدين لان الدين الإسلامي يضيع قيوداً واضحة على زواج المشركات ما لم يسلمن لقوله تعالى:(وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ( )، كما يحرم على المسلمة الزواج من غير المسلم.
وتأسيساً على ما تقدم طرحت المملكة العربية السعودية عام 1970 تحفظاً على المادة السادسة عشرة من الإعلان وبررت ذلك بقولها:( إن منطق الإسلام في ذلك لا ينطلق من حيث انه "قيد لحرية الزواج بسبب الدين" وإنما ينطلق من حيث " وجوب صيانة الأسرة من الانحلال بسبب الاختلاف في الدين عند احترام الزوج -بموجب عقيدته- لمقدسات زوجته)، لان المرأة هي احد عنصري الأسرة الأكثر حساسية، وهذا ما يؤكد احترام الإسلام لهذه القاعدة والتزامه بها مع الديانات الأخرى بتحريمه على الرجل المسلم التزوج من امرأة لا يحترم دينها أو تقاليدها ولا يعترف بها، وذلك للسبب نفسه الذي حرم فيه الإسلام على المرأة المسلمة الزواج من غير المسلم وذلك لتفادي تعرض الأسرة للخصام والانحلال والطلاق الذي هو في نظر الإسلام من ابغض الحلال عند الله.
3. ومن مظاهر التعارض الواضحة كذلك ما يتعلق بمسالة حرية تغيير المعتقد، إذ تنص المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على :( لكلل احد الحق في التمتع بحرية الفكر والوجدان والدين وهذا الحق يشمل حرية تغيير الدين أو العقيدة)، في حين تنص المادة (22) من الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان على ما يأتي: (لكل إنسان الحق في حرية التعبير والرأي بكل وسيلة وفي حدود المبادئ الشرعية)، هذه المبادئ تقوم على أساس من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،


الحقوق الاسرية / حقوق الانسان/ الخصوصية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع