مدونة عبدالحكيم الأنيس


ومضات رمضانية وإشراقات إيمانية

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


23/03/2023 القراءات: 1102  


والله ما بتُّ والحمد لله ليلتي هذه غافلًا:
روى الإمام أحمد في «مسنده» (43/ 333 ) "عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان الناس يصلون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان بالليل أوزاعًا، يكون مع الرجل الشيء من القرآن، فيكون معه النفر الخمسة أو الستة أو أقل من ذلك أو أكثر، يصلون بصلاته، فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً من ذلك أن أنصب له حصيرًا على باب حُجرتي، ففعلتُ، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى العشاء الآخرة، فاجتمع إليه مَن في المسجد، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلًا طويلًا، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل، وترك الحصير على حاله، فلما أصبح الناس تحدثوا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمَن كان معه في المسجد تلك الليلة، وأمسى المسجد راجًّا بالناس، فصلى بهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم دخل بيته وثبت الناسُ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شأن الناس يا عائشة؟ فقلتُ له: يا رسول الله سمع الناس بصلاتك البارحة بمن كان في المسجد، فحشدوا لذلك لتصلي بهم، فقال: اطو عنا حصيرك يا عائشة. ففعلتُ. وبات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم غيرَ غافل، وثبت الناسُ مكانهم حتى خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح، فقال: أيها الناس، أما والله ما بتُّ والحمد لله ليلتي هذه غافلًا، وما خفي عليَّ مكانكم، ولكني تخوفت أن يفترض عليكم فاكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا.
قال: وكانت عائشة تقول: "إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل».
***
الطبري يقرأ سورة الرحمن:
قال أبو علي الطوماري: كنتُ أحمل القنديل في شهر رمضان بين يدي أبي بكر بن مجاهد لصلاة ‌التراويح فخرج ليلة من ليالي العشر الأواخر من داره واجتاز على مسجده فلم يدخله وأنا معه وسار حتى انتهى فوقف على باب مسجد محمد بن جرير وابنُ جرير يقرأ سورة الرحمن فاستمع قراءته طويلًا ثم انصرف فقلت له: يا أستاذ تركتَ الناسَ ينتظرونك وجئتَ تستمع قراءة هذا؟ فقال: يا أبا علي دعْ هذا عنك ما ظننتُ أن الله خلق بشرًا يُحسن أن يقرأ هذه القراءة. طبقات الشافعية الكبرى (3/ 124).
***
تفسير القرآن في ليلة رمضانية بغدادية:
قال السبكي في ترجمة الإمام أبي الخير أحمد بن إسماعيل القزويني الطالقاني (512-590) في «طبقات الشافعية الكبرى» (6/ 10-11):
«قال ابنُ النجار: حدثني شيخنا أبو القاسم الصوفي قال: صلى شيخنا القزويني بالناس التراويح في ليالي شهر رمضان [ببغداد]، وكان يحضر عنده خلق كثير، فلما كان ليلة الختم دعا وشرع في تفسير القرآن من أوله، ولم يزل يفسر سورة سورة حتى طلع الفجر فصلى بالناس صلاة الفجر بوضوء العشاء، وخرج من الغد إلى (المدرسة النظامية)، وكان نوبته في الجلوس بها، فلما تكلم في المنبر على عادته وطاب الناسُ وكان في المجلس الأمير قطب الدين قيماز والأعيان فذكروا لهم أن الشيخ ليلتئذ فسر القرآن كله في مجلس واحد.
فقال قطب الدين: الغرامة على الشيخ واجبة.
فالتفت الشيخ وقال: إن الأمير أوجب علينا شيئًا فإن كان لا يشق عليكم وفينا به. فقالوا: لا، بل نؤثر ذلك. فشرع وفسر القرآن من أوله إلى أخره من غير أن يعيد كلمة مما ذكر ليلًا. فأبلس الناس من قوة حفظه وغزارة علمه».
***
معنى "الصوم لي":
قال التاج السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (6/ 12-13):
«‌‌ومن الفوائد عن أبي الخير [القزويني] رحمه الله:
له مصنفٌ سمّاه "حظائر القدس" عدَّ فيه لشهر رمضان أربعة وستين اسمًا.
ونقل فيه في معنى قوله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه سبحانه وتعالى: "الصوم لي وأنا أجزي به" خمسة وخمسين قولًا.
من أغربها ما نقله عن سفيان بن عيينة -وناهيك به- أن يوم القيامة يتعلق خصماؤه بجميع أعماله إلا الصوم فلا سبيل لهم عليه فإنه لله تعالى وإذا لم يبق إلا الصوم يتحمل الله تعالى ما بقي من المظالم ويدخله بالصوم الجنة.
قال الشيخ الإمام الوالد [تقي الدين] -رحمه الله تعالى ورضي عنه- في باب صوم التطوع: وهذا إنْ صح فيه توقيفٌ فهو في غاية الحُسن.
قلتُ: قد يرد عليه بما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس"؟
قالوا: مَن لا درهم له ولا متاع.
قال: "إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من خطاياهم وطرحت عليه ثم طرح في النار" الحديث ظاهره أنه يؤخذ من الصوم.
فإن قلت: الصوم ليس من حسناته، وإنما هو لله تعالى لا يُضاف إلى العبد؟
قلت: هذا حسنٌ، غير أن قوله "ثم طرح في النار" مع أن له صيامًا يدلُّ على أن الصوم وإن بقي سالمًا لم يتعلقْ الخصومُ منه بشيء لا يتعينُ معه دخولُ الجنة بل يقع معه دخولُ النار فلا بدَّ لسفيان من توقيف، وإلا فهذا الحديث ظاهر يرد عليه».
***
دعاء رمضان:
كتب إلي الأستاذ عماد ملكاوي:
هنيئاً لمن شهر الصيام أظلَّهُ ... وكُنتمْ لما فيه من الفضل أهلَهُ
فلولا بظهر الغيب كان دعاؤكم ... جعلتم لنا حظًّا من الخير مثلَهُ
فقلتُ:
لعلّ الذي هذا الصيامُ لهُ ولا ... يردُّ دعاءً أنْ يُنوّلَ فضلَهُ
وبعضُ كرامِ الخلق إنْ جاء سائلٌ ... كفاهُ فكيف اللهُ يَمنعُ سُؤله؟
***
روحوا القلوب:
من الطُّرف ما جاء في «طبقات الشافعية الكبرى» (2/ 60):
«قد ظرف عُبادة الملقب بعُبادة المخنث حيث دخلَ إلى الخليفة الواثق وقال: يا أمير المؤمنين أعظم اللهُ أجرَك في القرآن.
قال: ويلك القرآنُ يموتُ!
قال: يا أمير المؤمنين كلُّ مخلوق يموت، بالله يا أمير المؤمنين مَنْ يصلي بالناس ‌التراويح إذا مات القرآن! فضحك الخليفة وقال: قاتلكَ اللهُ أمسكْ».
***


رمضانيات


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


جزاكم الله خير واحسن اليكم أستاذنا. تقبَّل الله طاعتكم رمضان مبارك.


وجزاكم مثله. وشكرا لمروركم.