مدونة الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد


الكسب في السنة النبوية الشريفة ج 2

الاستاذ الدكتور مقتدر حمدان عبد المجيد الكبيسي | Prof. Dr. Muqtadir Hamdan Abdul Majeed


27/06/2020 القراءات: 19160  


فالمسلم مطالب بالعمل دائماً طالما كان قادراً على ذلك ، فقد قال رسول الله : ( من بات كالاً من طلب الحلال بات مغفوراً له ) . وقال عمر بن الخطاب : ( إني لأرى الرجل فيعجبني ، أقول : هل له حرفة ؟ فان قالوا : لا ، سقط من عيني ) . وقد حث عمر بن الخطاب المسلمين على العمل للقضاء على الفقر ، خص بالذكر القراء لكي لا ينشغلوا بأقراء القران عن العمل . وقال لقمان لابنه : ( يا بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر ، فانه ما افتقر أحد قط إلا أصابه ثلاث خصال : رقة في دينه ، وضعف في عقله ، وذهاب مروءته ، وأعظم من هذه الثلاث استخفاف الناس ) .
وحث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم على الكسب والسعي الحثيث في طلبه وبين فضله ، فما من نبي إلا وكان يأكل من كسب يده أو من اجر يأخذه نظير عمله . لذا قال النبي صلى الله عليه واله وسلم : ( ما أكل أحد طعاماً قط ، خيراً من ان يأكل من عمل يده ، وان نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) .
وفي كتب الحديث ، أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم تحث على الكسب الحلال من دون غيره ، قال رسول الله : ( طلب الكسب فريضة على كل مسلم ، كما ان طلب العلم فريضة ) . وقال أيضا : ( طلب الحلال فريضة بعد الفريضة ) . بل عد الكسب بمنزلة الجهاد في سبيل الله فقال : ( طلب الحلال جهاد ) . وسئل عن أطيب الكسب فقال : ( كل بيع مبرور وعمل الرجل بيده ) . ويمكن ان نقول انه يدخل في عمل اليد الكتابة إذ هي حقيقة من عمل باليد . ومما ورد في هذا السياق عن النبي صلى الله عليه واله وسلم : ان افضل الأعمال الكسبية المطلوبة شرعاً ، الكسب من الحلال إذ قال : ( طلب الحلال فريضة ) . وفي الخبر ان الله سبحانه وتعالى : ( يحب ان يرى عبده تعباً في طلب الحلال ) . وقد صافح النبي صلى الله عليه واله وسلم سعد بن معاذ فإذا يداه قد اكنبتا ، فسأله النبي صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك فقال : اضرب بالمر والمسحاة في نخلي لأنفق على عيالي ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال : ( كفان يحبهما الله تعالى ) .
وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : ( ان من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصوم ولا الصلاة ، قيل فما يكفرها يا رسول الله ، قال الهموم في طلب المعيشة ) . وقال صلى الله عليه واله وسلم : ( طلب الحلال كمقارعة الأبطال ، ومن بات ناوياً في طلب الحلال بات مغفوراً له ) . وكان سفيان الثوري يقول : اعمل عمل الأبطال . وقال محمد بن واسع (ت123ه) : مقارعة الأبطال تعني الكسب من الحلال والإنفاق على العيال .
وفي ضوء ذلك يتضح إن الكسب ضروري ، لان المرء لا بد له من الكسب لكي يتمكن من عبادة خالقه ، بالصلاة والصوم والحج والزكاة وغيرها من اوجه العبادة . وإذا لم يعمل المرء لم يكن له مال عندها تسقط عنه الزكاة والحج ، وإذا لم يعد يعمل سوف تقل موارده وتقل قدرته على الصوم والصلاة تدريجياً . لذا وجب عليه الكسب لمواصلة عبادة الخالق جل في علاه .
حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على العمل في جملة من الأحاديث الشريفة وبادر بنفسه بالسعي والعمل من اجل المعيشة وفي ذلك قال : ( ما بعث الله نبياً إلا رعي الغنم ، فقال أصحابه : وأنت ؟ قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( ما كسب الرجل كسباً أفضل من عمل يده ) . وذكر صلى الله عليه وسلم إخوانه من الأنبياء والمرسلين الذين كانوا يعملون بأيديهم من اجل طلب معيشتهم إذ قال : ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من ان يأكل من عمل يده وان نبي الله داود كان يأكل من عمل يده ) . وفي فضل العمل وثوابه جعل رسول الله الناس اللذين يعملون من اجل طلب الرزق مع العبادة التي فيها حسن ثواب الآخرة هم أعظم هماً من غيرهم فقال : ( أعظم الناس هماً المؤمن الذي يهم بأمر دنياه وأمر آخرته ) . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له ) ، ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو ان كل ما ورد من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بخصوص العمل هو من باب الحث عليه والأكل من ثمرته لما فيه من اثر فاعل في ديمومة الحياة والعيش الكريم وعدم البطالة وذم الرجل الذي ليس لديه عمل مع ذم السؤال لما فيه من مضار ومساوئ شرعية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية ، فضلاً عن ان السعي والعمل ان كان مع مرضاة الله سبحانه وتعالى والإنفاق من الكسب في سبيله وأداء العبادات فانه كالجهاد في سبيل الله تعالى .


الكسب


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع