مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(11)

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


28/03/2023 القراءات: 218  


ذكر أشياء تحرم ويتأكد تحريمها في حق الصائم :
يجب اجتناب كل كذب محرم ، أما الكذب لتخليص معصوم من قتل فواجب . قلت : ويترجح عندي مثله أيضا تخليص ماله من ظالم أو قاطع طريق أو غاصب أو نحو ذلك ، والمال مثمن والأحسن يتأول ، ولإصلاح بين الزوجين فمباح لما ورد عن أم كلثوم - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله  : « ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرا أو ينمى خيرا » . متفق عليه .
ثم اعلم أن الداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب التراث وذلك أن المخبر يرى أن له فضلا على المخبر بما علمه فهو يتشبه بالعالم الفاضل فيظن أنه يجلب بما يقوله فضلا ومسرة وهو يجلب به نقصا وفضيحة فالكذب رذيلة محضة من أرذل الرذائل ينبئ عن تغلغل الفساد في نفس صاحبها وعن سلوك ينشئ الشر إنشاء فالكذب يتصدع
به بنيان المجتمع وبه يختل سير الأمور ، ويسقط صاحبه من العيون ولا يوثق في قوله ، ولا يوثق به في عمل ، ولا يرغب له مجلس ، وأحاديثه عند الناس متروكة ، وشهادته مردودة وعن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب » . رواه أحمد .
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا : « ويل للذي يحدث ليضحك به القوم ويل له ، ويل له » .
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما كان خلق أبغض إلى أصحاب رسول الله من الكذب ولقد كان الرجل يكذب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذبة فما يزال في نفسه عليه حتى يعلم أنه أحدث منها توبة . رواه أحمد .
وفي الحديث الآخر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أيكون المؤمن كذابا قال : « لا » . الحديث رواه مالك ، والبيهقي في شعب الإيمان .
وقال ابن القيم رحمه الله : إياك والكذب فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس فإن الكاذب يصور المعدوم موجودا والموجود معدوما والحق باطلا والباطل حقا والخير شرا فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له ثم يصور ذلك في نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه تصوره وعلمه ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة تراعة إلى العدم مؤثرة للباطل ولهذا كان الكذب أساس الفجور .
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار » . وأول ما يسري الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده ثم يسري إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها كما أفسد على اللسان أقواله فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله فيستحكم عليه الفساد ويترامى داؤه إلى الهلكة إن لم يتداركه الله بدواء الصدق بقلع تلك المادة من أصلها .
ولهذا كان أصل أعمال القلوب كلها الصدق وأضدادها من الرياء والعجب والكبر والفخر والخيلاء والبطر والأشر والعجز والكسل والجبن والمهانة وغيرها أصلها الكذب فكل عمل صالح ظاهر أو باطن فمنشؤه الصدق وكل عمل فاسد ظاهر أو باطن فمنشؤوه الكذب ، والله تعالى يعاقب الكذاب بأن يقعده ويثبطه عن مصالحه ومنافعه ويثيب الصادق بأن يوفقه للقيام بمصالح دنياه وآخرته .
وكان الصدق في صدر الإسلام أساسا في القول والعمل والمعاملة ، وخصوصا فيما يتعلق بالدين وحفظ الحديث .
فقد ورثت عن العلماء الأوائل علوم الدين مضبوطة كاملة كما أنزلت على رسول الله  وحدث عنها .
وكان علماء الدين وجامعوا أحاديث النبي  يتحرون صدق المحدث بشكل عجيب .
يدرسون حياته ويتحققون من أقواله وأعماله وأنه يأكل من كسب يده ولم يدخل على سلطان في صحبة أو وظيفة .
وأنه يطبق تعاليم الدين كاملة ولم تعهد عليه كذبة في حياته . فعندها يؤخذ عنه الحديث النبوي .
ومثال على ما ذكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سمع بوجود حديث عند عالم بدمشق فسافر إليه من بغداد حتى وصل دمشق فمكث مدة يسأل عن العالم وعن أخلاقه ومعاملته وكلامه .
حتى إذا وثق من صدقه أتاه مبكرا بعد أن اغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه إجلالا للحديث ولمن يحمله .
ولما اقترب من بيته وجد العالم خارجا من بيته يقود حماره وقد كان حمالا يكتسب رزقه .
فرفض الحمار أن يسير معه فحاول أن يجره أو يسوقه بمختلف الوسائل ويأبى الحمار .
فجمع له طرف جبته وقدمه للحمار ليوهمه أن في الجبة شعير أو نحوه فتبعه الحمار .
فنظر الإمام أحمد إلى الجبة فوجدها خالية ما فيها شيء .
فترك أحمد العالم والأخذ عنه حيث تبين له كذبه على الحمار .
فلا يؤتمن على الحديث الشريف . أ . هـ .
فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدهما ومضارهما بمثل الكذب قال تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾ ، وقال : ﴿ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ﴾ ، وقال : ﴿ فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ﴾ .
اللهم نور قلوبنا بنور الإيمان وثبتها على قولك الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا هداة مهتدين وتوفنا مسلمين وألحقنا بعبادك الصالحين يا أكرم الأكرمين . ويا أرحم الراحمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
---


رَمضْان؛أرواحنا ظَمأى وفَوقَ أكفِّكَ الرَّيانُ(11)


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع