مدونة عبدالحكيم الأنيس


كلمتان حول كتاب "بسط اليدين لإكرام الأبوين" (1)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


24/02/2023 القراءات: 879  


هاتان كلمتان ماتعتان، كتب أولاهما الأستاذ الدكتور الشيخ جمال عزون الجزائري حين أعلنا عن مجلس لقراءة هذا الكتاب: (بسط اليدين لإكرام الأبوين) للشيخ محمد غوث.
وكتب الثانية الأستاذ الدكتور الشيخ مصعب سلمان أحمد السامرائي بعد المجلس.
***
قال الأول:
بسط اليدين لإكرام الأبوين جزء لطيف ألّفه محمّد غوث بن ناصر الدّين محمّد المدراسي الهندي الشّافعي المتوفّى سنة 1238هـ، وهو من منشورات دار البشائر الإسلاميّة رحمة الله على مؤسّسها الأستاذ رمزي دمشقيّة، وكان نشره عام 1435هـ ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام [16]، وهي سلسلة ماتعة نافعة، سنّها الشّيخ الأستاذ المحقّق الرّحلة نظام يعقوب البحريني رعاه الله وصحبه الكرام، واعتنى بنصّ الجزء تحقيقا الأستاذ عبد الله بن قاري محمّد سعيد الحسيني، والمدراسي علم هندي مشهور ترجم له كثيرون منهم شيخنا المقرئ الجليل عبد الفتّاح المرصفي رحمه الله في كتابه الفذّ: هداية القاري في تجويد كلام الباري، وهذا الجزء بسط اليدين لإكرام الأبوين شحنه المصنّف بفوائد جليلة أثمرت دلالات أهمّها:
1 ـ الوالدان سبب لوجود الابن وقد غمراه بالسّعادة في حياتهما فمن البرّ أن يغمرهما بالدّعوات بعد وفاتهما.
2 ـ الحمل والطّلق والوضع معاناة ثلاثيّة تتحمّلها الأمّهات على جهة الخصوص، لعلّ الابن بعد كبر الأمّ يهتمّ بحملها إذا عجزت، وإطلاق أسارير وجهها بالمؤانسة إذا حزنت، ووضعها في أمّ العين والقلب إذا استوحشت.
3 ـ من البرّ بالوالدين إكرام أصولهما وحواشيهما وفروعهما، لأنّ ذلك يسعدهما.
4 ـ المعلّم سبب حياة الرّوح والعقل فله حقّ في البرّ والإكرام، وما نراه من إيذاء المعلّمين عقوق حقيقيّ بامتياز، ولا يفلح من عقّ أباه الرّوحي.
5 ـ من إكرام الزّوجة إكرام أبويها، ومن إكرام الزّوج إكرام أبويه.. الأصهار والأرحام والأنساب لهم حقوق أهملها الكثيرون.
6 ـ من أرضعتك حليب ثديها فقد أكرمتك، وهي أمّك المرضعة بعد أمّك الحاملة بك، ولها حقوق عليك لا تقلّ عن حقوق الأمّ التي ولدتك.
7 ـ زوج المرضعة هو المسمّى عندهم بالفحل المرضع، ولبن زوجته خارج من ثديها لكن مصدره هو، والفقهاء تحدّثوا كثيرا عن لبن الفحل، وله فضل عليك أيّها الرّاضع، فكن معه فحلا بارّا كما كان معك فحلا مرضعا.
8 ـ الولد البارّ لا يعرف قاموس أخلاقه كلمة اسمها (أفّ).
9 ـ من تعوّد على التّأفيف والتّأفّف في وجه والديه قد يجاوز الخطوط الحمراء فيقع في الشّتم والسّبّ والأذى والضّرب، وقد يرتكب العاقّ ما لا يمكن التفوّه به.
10 ـ مصاحبة الوالدين بالمعروف واجب شرعيّ، والاختبار الحقيقي الذين يظهر المعادن الصّادقة حسن صحبتهما بعد كبرهما، فكثير من الأبناء ضعفوا أمام ضغوط زوجات السّوء فأدخلوا الوالدين دور الرّعاية فقتلوهما وهما حيّان.
11 ـ الإحسان إلى الوالدين درجة ممتازة تفوق درجة البرّ من جهة التّودّد للوالدين وإيثار رضاهما، وصناعة السّعادة في قلبيهما وروحيهما ونفسيهما.
12 ـ الابن مرّ بمرحلة الضّعف جنينا محمولا، ورضيعا شروبا، والاختبار الحقيقي إذا حلّت به مرحلة القوّة وحل بوالديه الضّعف والوهن، فهل يجبر ضعفهما كبيرين كما جبرا ضعفه رضيعا وصغيرا؟
13 ـ من أطاع والديه أطاعه أبناؤه، ومن عقّ والديه عقّه أبناؤه، معادلة ثابتة لا تكاد تنخرم، فإذا انخرمت فلحكمة يعلمها الحكيم الخبير.
14 ـ الكبر والتّعاظم شرّ محض، وأعظم الكبر كبر الأبناء على والديهم، ومن تكبّر عليهما وضعه الله وصغّره.
15 ـ البرّ بالوالدين والإحسان إليهما يشملهما كليهما، لكنّ الأمّ أنثى من الجنس اللّطيف، حسّها مرهف، وأمومتها رومنسيّة بامتياز، وقلبها ضعيف، والحزن سريع إلى قلبها بأدنى سبب، وآلام الحمل والطّلق والوضع تعطيها حقّا إضافيا في البرّ والإحسان والعطف والحنان والرّحمة.
16 ـ حياة الوالدين فرصتان نادرتان لدخول الجنّة، فإذا مات أحدهما ذهبت فرصة واحدة، وإذا مات الآخر ذهبت الفرصة الثّانية والنّهائيّة، والحزم انتهاز الفرص كما قيل، وتبقى فرصة في الوقت بدل الضّائع فيدعو لهما ما دام هو حيّا، ويصل أصدقاءهما، ويصنع لهما أوقافا تسهم في وصول الأجر لهما بإذن الله جلّ جلاله.
17 ـ من عظمة الإسلام أنّ باب البرّ بالوالدين وصلتهما شامل للوالدين اللّذين لم يوفّقا للإسلام، وكم من ولد برّ والديه المشركين فاندهشا لبرّه بهما، فدخلا الإسلام راضيين طائعين.
18 ـ شتم الوالدين كبيرة من العظائم، وقد يرتكبه الابن بطريق غير مباشر، وذلك حين يشتم ويسبّ والد ولد آخر أو أمّه فيسبّ هو والديه ويشتمهما، والولد البار شديد الاحتياط، بعيد الغور، ذو نظرة ثاقبة في كلّ ما يمكن أن يسبّب الأذى للوالدين.
19 ـ طول العمر مطلب كلّ حيّ، ومن أعظم أسبابه المقدّرة البرّ بالوالدين، وكم من عاقّ اختطفته المنيّة شابّا، وكم من بارّ بوالديه بلغ من الكبر عتيّا.
20 ـ أبشع منظر في وجه الوالدين منظر السّخط على الأبناء، ولا يسخط الوالدان عليهم إلّا إذا ارتكبوا معهما ما يسخط ربّ العرش العظيم، وعند المغاربة جملة مشهورة تسم العاقّ بـ (مسخوط الوالدين)، ورضاهما أحلى منظر في وجهيهما، ورضاهما عن الأبناء مؤشّر على رضا الرّبّ تعالى.
21 ـ قد يبلغ الهرم بالوالدين مبلغا عظيما، وينقلب حالهما كالطّفل الرّضيع، وهنا الاختبار الحقيقي لرعايتهما وإطعامهما وتدليلهما، كما فعلا هما تماما بالابن رضيعا صغيرا.
22 ـ قد يبتلى الرّجل بزوجة سوء تلخبط عليه برنامجه الممتاز في برّ والديه، وتكتنفها حالة من الغيرة الفاسدة، وتصدر عنها حال غياب الزّوج أو حضوره أفعال مشينة، وعلى الزّوج أن يتّخذ موقفا صارما من البداية، ويعطي لزوجة السّوء درسا بليغا، لتدرك أنّ الوالدين خطّ أحمر، ومن تجاوزته فـ (الباب يفوّت جملْ) كما يقوله إخواننا المصريّون.

يتبع


بر الوالدين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع