قصة قصيرة) بعنوان الحلم الضائع
فرج مراجع فرج بن موسى | FARAG MURAJIA FARAG BIN MOUSA
11/12/2022 القراءات: 840
خرجت عبر أزِقّة حارتِنا في ساعةٍ مُّتأخِّرة من الليل، بوجهٍ شاحبٍ، وأعضاء جسمٍ مُنْهكةٍ، لم تُساعِدني على المسير نحو هدفٍ مجهول الملامح، وأيضاً خطوات رجلي اليمنى كانت متأخرةً بعض الشِّيء بسببِ قسْوةِ زوْجة أبي، وأيضاً أرْغمتْني رِجلي اليُسْرى على الوقوف قليلا، ثم السَّيْر ومُواصَلة الْبحْث، عن وسادةٍ وغطاءٍ لجسدي، الذي أعْياهُ التَّعب، وأَتْعبه البرد والمطر، ذهبت عبر طريقٍ ضيقٍ، لا أرى عَبْره إلا النَّجوم وهْي تتلألأ في سقْف السَّماء، هذا وقد طمسَّ السَّحب المُلبد بالغُيوم ضوء القمر، تسارعت حِينها خطوات قدماي على وجْه الأرْض المبللة بمياه المطر، خوْفاً من الرياح العاتية، والأمطار الهاطلة، أبحث عن صدرٍ يضمني ويدٍ تشدُّني وقلبٍ يغمرني بحنانه ودِفْئِه، مع أن بطني كانت تُصْدر أصْواتاً من شِدَّة الجوع، إلا أني لم أعباء بها، لأني انشغلت بالبحث عن سقف بيت يؤويني ويحميني، كنت مُسْرعاً فلم انْتبه أنّي وصلت بمحاذاة الطَّريق الرئيسي، فرأيت ضوء سيارةٍ يقترب منِّ بسرعةٍ، حينها جلست على قارعة الطَّريق وبدأت عيْناي تذرفان الدُّموع، وارتعدت فرائسي، واسْتاكت أسْناني، وابْتلت ملابسي الخفيفة من ماء المطر، فلا أملك غير ملابسي التي ارتديها، عندها شعرت بالبرد وبالوحدة وأنا أحدق في السَّماء المظلمة، وأنظر إلى الأرض الفسيحة الخالية من البشر، بصراحة وجع الفقر أعياني، وألم وحْدتي أبْكاني، وكأني ببريق النَّجم حدثني بما يدور في بالي، والقمر صبَّرني وداواني، فسقطت رموش عيناي، ونزل حاجباي فعلمت بأن الله قد أرْسل روحي إلى أجل مسمىً، فلم اسْتيقظ إلا على دفء الشَّمس، وأصْوات أطفال المدارس، فلمحت طفلا يرنو إلي مبتهجاً سعيداً، وهو يحمل على ظهره حقيبته المدرسية، ويمسك في يده اليمنى المظلة، وفي يده اليسرى يدُ شقيقه، فانكسر خاطري، وتلعثم لساني، واهتز وجداني، ونزل حاجباي، وتحركت شفاتاي، ونزلت دموع عيْناي، لماذا أنا لست مثلهم؟ لماذا كأني أعيش في غابة؟ أين أهلي وأبي وأمي؟ كم سيستمر حالنا هكذا؟ ... كنت أرفع يداي وأطلب من الله أن يصحح عثرتي، ويجبر كسري، ويزرع فرحتي، فما وجدت تلك الفرحة تواسيني، وأُرْغمت على العودة لمنزلنا، لأمسك بيد شقيقتي، وتدفَّقت دموعي، لأني تذكرت قسوة زوجة أبي، وعِنادِها وبغضها وحقدها وكذبها، كانت مثل الحرباء تتغير وتتشكل، وكالثَّعلب في غدرها وخداعها وتزْييفها، ومع عِظم البلاء، إلا أني كنت أُقدِّم إخوتي وأخواتي على نفسي، ففي ظل الأوضاع سالفة الذكر، أحزنني وأزعجني، وجع أُختي ياسمين، فقد أرهقتها زوجتي أبي بأعمال البيت، وأبصرتها منذ أكثر من أربع سنوات ترتدي معطفاً مُهْترئاً، مازال عليها حتى يومنا الحالي، وأقصى ما مرَّ عليها منْعُها من التَّعليم، وسمح لإخوتي من أمي الجديدة بالدِّراسة والتَّعليم، وإعطائهم أغلب ما يحتاجونه من أمور حياتهم اليومية.
رحيل أمي ما انفك يلازمني، فقد كانت تداوي جراحي وتواسي فراشي وتضع لي وسادتي وغطائي، كانت تتقن فن التربية، وبرحيلها ضاع صمام الأمان، وأساس البنيان، ومصدر الحنان.
بعدما غاب عن والدي اللين أصبح فضاً غليظ القلب، فقد كسر فك وجهي السفلي، بعدما لطما وجهي بحذائه، للآسف يشْتاطُ غضباً لأبسط القضايا، ولم يحرك ساكناً لألم ياسمين، ذلك الوجع الذي يحرك الجماد والحيوان، إلا أن أصحاب القلوب القاسية أعيت من يداويها !
سهرت والدُّموع تسيل وتنهمر على خدي، وزوجة أبي تخطط في كل ليلةٍ للإيقاع بنا، لا أعرف حجم الران في قلبها، ولكن متأكد بأن قلبها يحتاج إلى علاجٍ وصيانة من الأمراض المختلفة.
تمضي الأيام وفي مخيلتي صورة قاتمة لبعض من يديرون البيوت، متى تتحرك قلوب هؤلاء الآباء والأُمهات، وأحياناً أتساءل ألهم قلوب يشعرون بها !! أم لهم عقول يفكرون بها !! أعتقد بأن غزارة الرَّان مُسْتفحلة، ونسبة الجهل كبيرة، دعوت بنات أفكاري لمزج بعض المفردات العربية، لأرسلها لكل زوجين اثْنين عبر المنصات العلمية، وللخطباء الجمعة والمؤسسات العلمية والمدارس والجامعات من أجل التَّذكير بقول الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ سورة التحريم.
وفي النهاية أقول لكم: أيُّها الآباء والأُمهات لأبنائكم حقوق وواجباتٍ، إياكم وأُحذكم من غضب الله، فالدُّنيا زائلة، وصحائف الأعمال تُعرض يوم القيامة، فالحذر الحذر من غضب الله عز وجل، هؤلاء فلذتُ أكبدكم، وهم جزءٌ منكم، فحافِظوا عليْها جيداً، واحْمدوا الله على هذه النعمة الغالية، فكم من أُناسٍ يدفعون المال، ويسافرون من دولة لأُخرى من أجل إيجاد علاجٍ للعقم، نسأل الله لنا ولكم الهداية والعدل والتوبة النصوح.
الحقيقة _ الخيال _ حلم.
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع