كيفية إثبات الدين على المتوفّى وفي حقّ القصّر
سيف بن سعيد العزري | SAIF BIN SAID ALAZRI
10/11/2022 القراءات: 914 الملف المرفق
عُرضت عليّ دعوى عندما كنت قاضياً في المحكمة الابتدائية بنزوى بسلطنة عمان، كانت المطالبة فيها بمؤخّر صداق، وبما قضته المدعية من دينِ مورّثها بعد وفاته، فكان الحكم - بفضل الله تعالى - نتاج بحثٍ في كيفية إثبات الدينِ على المتوفّى وفي حقّ القصّر، والخلاصة فيما يتعلق بطلب المدعية بمؤخر الصداق أنّه "من المقرّر شرعاً وقانوناً طبقاً للمادة (21) من قانون الأحوال الشخصية أنّ الصداق هو ما يبذله الزوج من مال بقصد الزواج، وأنه ركن من أركان عقد الزواج طبقاً للمادة (16)، وأنه "يجوز تعجيل الصداق أو تأجيله كلاً أو بعضاً حين العقد" طبقاً للمادة (24/أ)، وأنّه "يستحق المؤجل منه بالوفاة أو البينونة ما لم ينص في العقد على خلاف ذلك"، ومن المقرّر أنّ الأصل براءة الذمّة، ومن ادّعى خلاف ذلك فهو المدعي، فعليه يقع عبء الإثبات؛ إذ هو مدعي خلاف الأصل، عملاً بالقاعدة الشرعية المستقاة من الحديث الشريف التي تقضي بأن "البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر"، فعلى المدعي في حال إنكار خصمه إثبات دعواه بالبيّنة المعتبرة، ومنها شهادة الشهود، وإلا كان له الحقّ في الاحتكام إلى ضمير خصمه بتوجيه اليمين الحاسمة إليه في الأحوال التي يصح فيها ذلك، فإن حلف خسر المدعي دعواه وإلا حكم للمدّعي بما يدّعي على القول المعتبر عند أهل العلم ما لم يردّها المدعى عليه إلى المدعي، وعلى هذا جاءت المواد (1) و(67) و(74) و(75) من قانون الإثبات، كما أنّه من المقرّر شرعاً أنّه يصحّ توجيه اليمين إلى مطالِب الميّت بحقّ احتياطاً في حقّ من لا يمكنه الدفاع عن نفسه، جاء في شرح النيل 13/2 ص 29-30 قوله: "وقسموا اليمين ثلاثة أقسام؛ الأول: يمين التهمة وهي اللازمة في الدعوى غير الحقة، والثاني: يمين القضاء استحسنها الفقهاء احتياطاً على حفظ من لا يمكنه الدفع عن نفسه كالغائب والصغير، والثالث: يمين المنكر التي في مقابلة دعوى المدعي محققا لدعواه"، ثم قال: "وأوجبوا يمين القضاء على طالب من مات أو غاب احتياطاً على أموالهما يحلف أنه بقي دينه إلى حين الحكم لم يقبض ولا أحاله على أحد ولا وهب منه شيئا ولا أمرت من يأخذه"، ويمكن اعتبار يمين القضاء هذه هي اليمين المتمّمة التي يوجّهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أيّ من الخصمين ليبني على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في قيمة ما يحكم به، ويشترط في توجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أيّ دليل، وعلى هذا نّت المادة (77) من قانون الإثبات، ومن المقرّر أنّ الإقرار هو إخبار الإنسان عن حقّ عليه لآخر وأنّ الإقرار حجّة على المقرّ إن صدر من كامل الأهلية مختارا غير متهم في إقراره لقوله تعالى: (ياأيُّها الذين ءامنوا كونوا قوَّامين بالقسطِ شهداءَ لله ولو على أنفسكم) قال المفسرون: شهادة المرء على نفسه هي الإقرار، وأكّد ذلك المواد (57 -60) من قانون الإثبات، فلمّـا كان ذلك وكان المدعى عليهم الثاني والثالثة والرابعة (وهم الورثة الراشدون) أبدوا عن طريق وكيلهم عدم الممانعة من تسليم المدعية الصداق المؤخر من التركة، فالمحكمة ألزمتهم بذلك، أما بالنسبة للمدعى عليهم الأولين فهم قصّر، ولا يقبل في حقهم إقرار الوصي عليهم في شيء لم يباشره، وقدّمت المدعية إقرار زوجها مورّثهم جميعاً بأنّ عليه لزوجته ثلاثمائة ريال عماني (300ر.ع) صداقها الآجل، والمحكمة تطمئنّ إلى ما ورد فيه، إلا أنّه لما كانت الدعوى في حق ميّت وعلى قصّر وكان من المحتمل أن يفي الزوج زوجته دينها المؤخّر أو أن تبرأ منه ذمّته بأي وجه من الوجوه فإنّ المحكمة حكمت بتوجيه اليمين المتمّمة إلى المدعية لتقسم بهذا اللفظ: "أقسم بالله العظيم بأنّ مؤخر الصداق وقدره ثلاثمائة ريال عماني (300ر.ع) الذي فرضه زوجي ... لم أستلمه ولا شيئاً منه، ولم تبرأ منه ذمة المتوفى"، فأدت اليمين باللفظ المذكور، وعليه يثبت حقها في ذلك، فقضت المحكمة في حق القصّر المدعى عليهم الأولين بذلك، وفيما يتعلق بمطالبتها بما دفعته من دينِ المتوفى بعد وفاته الخلاصة أنّه "من المقرّر قانوناً طبقاً للمادة (496) أنّ "القرض عقد تنتقل بمقتضاه ملكية مال أو شيء مثلي آخر على أن يرد المقترض عند نهاية القرض مثله مقداراً وصفة ونوعاً"، وطبقاً للمادة (502/1) أنّه "يلتزم المقترض برد مثل ما قبض مقداراً ونوعاً وصفة عند انتهاء مدة القرض، ولا عبرة لما يطرأ على قيمته من تغيير، وذلك في الزمان والمكان المتفق عليهما"، ولما تقرّر سلفاً في الإثبات، فلما كان ذلك وكان ادعاء المدعية يقتضي إثبات أمرين؛ الأول: أصل الدين الذي على المتوفى، والثاني: قيامها بوفاء هذا الدين، وكانت المدعية لم تقدّم ما يثبت الأمر الأول، وإنما أحضرت شاهدين؛ الأول: ...، وشهد على واقعة تسليم مبلغ في ظرف لا يدري مقداره، وأفاد بأنّه لا يعرف عن المبلغ أيّ شيء، فلا يثبت بهذه الشهادة شيء، والشاهد الثاني: ...، وهو الدائن للمتوفى حسب ادعاء المدعية، وعليه فهو صاحب مصلحة في إثبات الدين، فلا تُقبل شهادته، وعليه لا يثبت بذلك شيء من الأمرين المذكورين، وامتنعت المدعية عن توجيه اليمين، وعليه يبقى أصل براء الذمة على ما هو عليه، فقضت المحكمة برفض الطلب، فكانَ منطوق الحكم في الدعوى هو "حكمت المحكمة بإثبات حق المدعية من تركة مورّثها في الصداق المؤخر وقدره ثلاثمائة ريال عماني (300ر.ع)، وبإلزام المدعى عليهم بذلك في حدود تركة مورّثهم، وبإلزام طرفي الدعوى مناصفة بالمصاريف، وبرفض ما عدا ذلك من طلبات"، وستجد - أخي القارئ الكريم - الحكم بتفاصيله في الملف المفق إعلاه.
حكم قضائي، دين، قرض، أيتام، يمين متممة، مؤخر صداق
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع