مسرح الشارع وتحديد المسار الاصطلاحي / الجزء الثالث
أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi
25/12/2023 القراءات: 752
ويركز (باتريس بافي) في تعريفه لمسرح الشارع على مجموعة من النقاط التي يرى بأنها تحقق فكرة هذا المسرح ، على الرغم من عدم توضيح نوع الأمكنة التي يقصدها ، أي أن طبيعة المكان الذي يشير إليه (بافي) يمكن أن يكون بجدران ، لكنه يرى هذا المكان ينتمي لمسرح الشارع ، لذا فهو يعرّف مسرح الشارع بـ " إنه مسرح يحصل في الأماكن الخارجية وفي مبان تراثية : شارع ، سوق ، ميترو ، جامعة ... إلخ .
إنَّ الإرادة في ترك حرم المسرح تأتي من رغبة في الذهاب لمقابلة جمهور لا يذهب لمشاهدة عرض مسرحي ، ويأخذ مبادرة أجتماعية – سياسية مباشرة ، ويشاركه بإحياء مناسبة ثقافية وتظاهرة أجتماعية ، وينخرط في المدينة كمحرض وكضيف ، لطالما كان هناك خلط بين مسرح الشارع والمسرح التحريضي والمسرح السياسي" (6) . ومن ثم فإنه يرى في مسرح الشارع ، غايات هي كالآتي :
1. إنَّ الغاية التي يهدف إليها مسرح الشارع هي عكس القضية التي اشتغل عليها المسرح التقليدي وهي أن يأتي الجمهور إليه ، بينما مسرح الشارع يبحث عن غاية جديدة ويُستعمل بوصفه وسيلة لهذا الغرض ، كون الجمهور في أماكن بعيدة عن الأماكن التقليدية والتي يستهدف من خلالها الجمهور الذي يشتغل من أجله في تكوين هذا العرض الجمهور ، والذي يُعتَبر غاية هذا المشروع المسرحي .
2. أما الغاية الأخرى هي قلب اتجاه السير لتكون من المسرح إلى الجمهور بدلاً من الجمهور إلى المسرح ، حتى لا يكون الجمهور القادم إلى البناية المسرحية مهيأ وقاصداً للعرض ، ومن ثم لا يكون الغاية التي يبحث عنها المسرح متحققة ، بسبب أن طبيعة الجمهور القادم إليه قد يكون هدفه الترويح عن مشاكل الحياة اليومية من خلال العرض .
3. أما الغاية الثالثة لمسرح الشارع من خلال استهداف الجمهور هو اقتحام المجال الفكري والنفسي والاجتماعي من أجل جعل التفكير في القضية التي يحملها العرض أكثر تأثيراً في حالة المفاجئة والدهشة التي يبحث عنها هذا المسرح .
4. أما الغاية الرابعة هي مشاركة الجمهور هو على طبيعته التي هو عليها دون أن يكون هناك شحن عاطفي واندماج مع ما يعرض ، ومن ثم يكون فاصل بين الفضائين ، العرض والجمهور ، فالمشاركة وكسر مجال التوقع لدى الممثل والجمهور هو من أسس المشاركة الوجدانية الفاعلة في هذا المسرح .
ومن ثم فإن ما عمل عليه مسرح الشارع حسب (بافي) يحسب في رسالته التي ركّز عليها وبيئته الدرامية الفنية التي ارتكز عليها في اشتغالاته ، مع أهم ما قدمه وحققه من تطور " في الستينيات بشكل خاص (بريد أند بابيت ، والسيرك السحري ، والهابيننغ ، والتحركات النقابية) (...) وللمفارقة ، فإن مسرح الشارع حاول أن يتمأسس وينتظم كمهرجان ، ويقيم في إطار مدني أرضاً للفن ، أو سياسة للتجديد المدني ، مع محاولة البقاء أميناً لخطه الفني بالإشاحة عن ما هو يومي " (7) ، لكنه لا يغفل عن اليومي في هذه الجزئية المهمة من عمل مسرح الشارع ، فهو يقتحم اليومي وتحويله الى فني ، لأن الجمهور في المسرح التقليدي يترك ما هو يومي وراء ظهره ويأتي لمشاهدة ما هو فني ، بينما في مسرح الشارع فإن اقتحام اليومي بما هو فني يجعل من الرسالة مغايرة تماماً عما هو تقليدي ومتعارف عليه لدى الجمهور .
ويأتي تعريف آخر يركز على سمة اليومية أيضاً من خلال ما يدور في يوميات الانسان العادي ، ويضاف إليه سمة أخرى هي أن مسرح الشارع ليس مسرحاً إيهامياً ولا يسعى لتحقيق الإيهامية في عمله ، كون أن سمة اليومية والارتجال التي تناولناها في التعريفات السابقة تكسر رتابة إيهامية الشارع وما اعتاده الناس يومياً من أحداث تجري في الشارع ذاته ، لذا فإن تسمية مسرح الشارع "تطلق على عروض مسرحية تجري خارج العمارة المسرحية في الساحات العامة وفي الشوارع (...) فالعرض الذي يجري في الشارع كمكان مفتوح مقتطع من الحياة اليومية لا يسعى بالضرورة إلى تحقيق الإيهام وإنما إلى مشاركة المتفرج " (8) . لكن السؤال الذي يطرح في تبيان حقيقة أخرى أغفلها هذا التعريف إذا كانت الأحداث التي يناقشها عرض مسرح الشارع هي جزء من الحياة اليومية ،فهل يعيد العرض رتابة الحياة اليومية ذاتها ؟ ،أم يحاول إعادة صياغتها بأسلوب فني جديد يكسر هذه الرتابة في الأحداث اليومية العادية التي تجري في كل شارع ؟
إنّ من يحاول أن يقدمه مسرح الشارع عليه أن يعيد ترتيب الأولويات في الحياة اليومية لدى الأفراد من أجل أن يصوغها في تساؤلات أخرى أكثر وعياً من كونها أحداث تجري كل يوم بنفس الطريقة أمام الفرد ذاته ، وهذه الجزئية هي ما نعتقد أنها المقصودة في ما يتكرر من عبارة تقديم جزءاً من الحياة اليومية في مسرحي الشارع ، وهذه النقطة وغيرها سنحاول أن نناقشها من خلال التركيز على أهم ما خرجت به هذه التعريفات ، وما أغفلتها في تحديد مسرح الشارع.
الهوامش
1. ألان ماكدونالد ، ستيفن ستيكلي ، فيليب هوثورن : مسرح الشارع / الأداء التمثيلي خارج المسارح ، ترجمة : عبد الغني داود ، أحمد عبد الفتاح ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1999ص12.
2. المصدر نفسه ، ص 12.
3. المصدر نفسه ، ص 12.
4. يندريك هونزيل : سيمياء براغ للمسرح ، ترجمة : أدمير كوريه ، دمشق : منشورات وزارة الثقافة ، 1997 ص99.
5. عبد العزيز بن فهد العيد : عن مسرح الشارع والعروض المبتكرة ،انترنيت: https://www.arabicmagazine.net .
6. باتريس بافي : معجم المسرح ، ترجمة : ميشال ف . خطَّار ، بيروت : المنظمة العربية للترجمة ، 2015، ص554.
7. نفسه ، ص554.
8. الدكتورة ماري الياس والدكتورة حنان قصاب حسين : المعجم المسرحي ، بيروت : مكتبة لبنان ناشرون ، ب، ت ص 268.
مسرح الشارع
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة