مدونة عبدالحكيم الأنيس


في ظلال عيد الأضحى المبارك (2)

د. عبدالحكيم الأنيس | Dr. Abdul Hakeem Alanees


20/06/2024 القراءات: 445  


-الهدي النبوي في العيدين:
جاء في «زاد المعاد» (1/ 552-556):
"كان صلى الله عليه وسلم يصلِّي العيدين في المصلَّى، وهو المصلَّى الذي على باب المدينة الشرقي، يوضع فيه محمِلُ الحاجِّ. ولم يصلِّ العيد بمسجده إلا مرةً واحدةً، أصابهم مطر فصلَّى بهم العيد في المسجد، إن ثبت الحديث، وهو في سنن أبي داود وابن ماجه. وهديه كان فعلها في المصلَّى دائمًا.
وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه، فكان له حُلَّة يلبسها للعيدين والجمعة. ومرةً كان يلبس بُردين أخضرين، ومرةً بردًا أحمر. وليس هذا أحمر مُصْمَتًا كما يظنُّه بعض الناس، فإنه لو كان كذلك لم يكن بردًا، وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية، فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك. وقد صحَّ عنه من غير معارض النهيُ عن لبس المعصفَر والأحمر. وأمر عبدالله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما. فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة، ثم يلبسه. والذي يقوم عليه الدليلُ تحريم لباس الأحمر أو كراهته كراهةً شديدةً.
وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمراتٍ، ويأكلهن وترًا. وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلَّى، فيأكل من أضحيته.
وكان يغتسل للعيد إن صحَّ الحديث فيه. وفيه حديثان ضعيفان: حديث ابن عباس من رواية جُبارة بن مغلِّس، وحديث الفاكه بن سعد من رواية يوسف بن خالد السَّمْتي. ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدَّة اتباعه للسنَّة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل الخروج.
وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيًا، والعَنَزة تُحمَل بين يديه. فإذا وصل إلى المصلَّى نُصِبت بين يديه ليصلِّي إليها، فإنَّ المصلَّى كان إذ ذاك فضاءً لم يكن فيه بناء ولا حائط، وكانت الحَرْبة سُترته.
وكان يؤخِّر صلاة عيد الفطر، ويعجِّل الأضحى. وكان ابن عمر مع شدَّة اتباعه للسُّنَّة لا يخرج حتى تطلع الشمس، ويكبِّر من بيته إلى المصلَّى.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلَّى أخذ في الصلاة، من غير أذان ولا إقامة، ولا قول: الصلاة جامعة. فالسُّنَّة أن لا يُفعَل شيء من ذلك.
ولم يكن هو ولا أصحابه يصلُّون إذا انتهوا إلى المصلَّى شيئًا قبل الصلاة ولا بعدها.
وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، فيصلِّي ركعتين. يكبِّر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح، بين كلِّ تكبيرتين سكتةٌ يسيرةٌ. ولم يُحفَظ عنه ذكرٌ معيَّن بين التكبيرات، ولكن ذُكِر عن ابن مسعود أنه قال: يحمد الله، ويثني عليه، ويصلِّي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره الخلال ...».
***
-العيد في طرسوس:
قال السمعاني في «الأنساب» (9/ 65):
‌"طرسوس، هي من بلاد الثغر بالشام، وكان يُضرب بعيدها المثل، وكانوا يقولون- على ما سمعتُ أبا علي الحسن بن مسعود بن الوزير الدمشقي الحافظ يقول-:
كان المشايخ يقولون: «زينة الإسلام ثلاثة: التراويح بمكة؛ فإنهم يطوفون سبعًا بين كل ترويحتين.
ويوم الجمعة بجامع المنصور؛ لكثرة الناس والزحمة ونصب الأسواق.
ويوم ‌العيد بطرسوس؛ لأنها ثغر، وأهلها يتزينون ويخرجون بالأسلحة الكثيرة المليحة والخيل الحسان؛ ليصل الخبر إلى الكفار فلا يرغبون في قتالهم».
وقد كان هذا قبل أيامنا، والساعة صار هذا البلد في أيدي الإفرنج.
وبجامع المنصور لا يصلون إلا جماعة يسيرة.
وتراويح مكة بقيتْ على حالها- على ما سمعتُ- ولكن خفَّ الناس، وقلَّ المجاورون، وانتقصت الشموعُ والقناديلُ".
***
-وفاة المحقق أحمد خان يوم العيد:
كتب الأستاذ محمد أجمل الإصلاحي (يوم الأربعاء 13 من ذي الحجة سنة 1445): "بلغني قبل قليل أن المحقق المعروف والمعني بفهرسة المخطوطات العربية في باكستان، الدكتور أحمد خان قد توفاه الله في مدينة "إسلام آباد" يوم الأحد الماضي تاسع ذي الحجة في باكستان، وعاشرها في المملكة العربية السعودية وغيرها، الموافق (16) من يونيو سنة (2024م).
اللهم اغفرْ له، وارحمه، وأكرم نزله، وتقبلْ جهوده في خدمة اللغة العربية، وأسكنه فسيح جناتك.
مع الأسف ما بلغنا نبأُ وفاته إلا اليوم، والذي أخبرني الدكتور عارف نوشاهي، وهو بلديُّ الدكتور أحمد خان، متخصص باللغة الفارسية، ومن مشاهير محققيها. وهو الآن في زيارة علمية لإيران، ولذلك تلقى النبأ متأخرًا".
قلتُ: ومن كتبه:
-"معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية الباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980م"، صدر عن مكتبة الملك فهد الوطنية سنة (1421 - 2000).
-"فهرس المخطوطات العربية الإسلامية في باكستان" الجزء الأول، صدر عن المنظمة الإسلامية في الرباط، سنة (1418 - 1997).
-"طبقات القراء" للذهبي، تحقيق، صدر عن مركز الملك فيصل، ط1 (1418 - 1997).
وهو من مواليد سنة (1935).
***
-مجلس ابن الجوزي كأنه العيد:
قال رحمه الله في «المنتظم» (18/ 214):
"تُقدِّمَ إليَّ [أُمرتُ] بالجلوس تحت المنظرة بباب بدر [من أبواب دار الخلافة العباسية ببغداد] فتكلمتُ يوم الخميس بعد العصر خامس رجب [سنة 570]، وحضر أميرُ المؤمنين [المستضيء بالله]، وأخذ الناسُ أماكنهم من بعد صلاة الفجر! واكتُريتْ دكاكين فكان مكان كل رجل بقيراط، حتى إنه اكتري دكان لثمانية عشر بثمانية عشر قيراطًا، ثم جاء رجل فأعطاهم ست قراريط حتى جلس معهم، وكان الناسُ يقفون يوم مجلسي مِن باب بدر إلى باب النُّوبي [في المطبوع: باب العيد وهو خطأ، والتصحيح من الذيل لابن رجب 2/ 473] كأنه ‌العيد، ينظر بعضُهم إلى بعض، وينتظرون قطعَ المجلس".
***
-اشتباه في كشف الظنون:
قال حاجي خليفة فيه (2/ 1510):
«وقال ابن حجر في آخر (‌تهذيب ‌التهذيب): فرغنا منه يوم عيد النحر، سنة اثنتي عشرة وسبع مئة.
وأقام في عمله ثمان سنين، إلا شهرًا واحدًا.
وكان الفراغ من اختصاره المُسمى بـ (التقريب) في تاسع جمادى الآخرة، سنة 808».
كذا جاء! وصواب الكلام: "قال ابن حجر في آخر (‌تهذيب ‌التهذيب): [قال مؤلفه في آخره. أي المزي في آخر تهذيب الكمال]: فرغنا منه يوم عيد النحر، سنة اثنتي عشرة وسبع مئة. وأقام في عمله ثمان سنين، إلا شهرًا واحدًا.
وكان الفراغ من اختصاره المسمى بـ (تهذيب التهذيب) ...".


العيد. طرف العيد.


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع