مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


ابن عباس يستدرك على ابن عمر في إتيان الزوجة

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


26/12/2022 القراءات: 1859  


ابن عباس يستدرك على ابن عمر في إتيان الزوجة
روى البخاري عن نافع مولى ابن عمر رضي اللَّه عنهما أن ابن عمر قال: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}. قال: يأتيها في ... قال الحميدي: يعني في الفرج.
روى البخاري عن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذتُ عليه يوماً - يعني جلست أستمع لقراءته - فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان - وهو في الرواية السابقة " فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ " - فقال: أتدري فيم أُنزلت؟ قلت: لا. قال: نزلت في كذا وكذا، ثم مضى. وفي رواية غير البخاري أنه قال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.
من هذه الروايات يظهر أن ابن عمر رضي الله عنهما فهم من الآية جواز إتيان الرجل لزوجته في دبرها، وفهم من الآية إباحة كل صور الاستمتاع بها، وأخذ الإطلاق من قوله: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}.
وقد أخطأ ابن عمر في فهمه من الآية، وفي قوله هذا، الذي أجمع الصحابة على نقضه ورده.
وقد وقف ابن عباس رضي الله عنهما يصوِّب لابن عمر فهمه، ويستدرك عليه قوله، ويصحح له خطأه.
روى أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن ابن عمر - والله يغفر له - أوهم، وفي رواية وهم (أي أخطأ في قوله واستنتاجه من الآية)، إنما كان هذا الحي من الأنصار -وهم أهل وثن- مع هذا الحي من يهود -وهم أهل كتاب- فكانوا يرون أن لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثيرٍ من فعلهم.
وكان من أمر أهل الكتاب: أن لا يأتوا النساء إلا على حَرف (أي على جانب) وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم. وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذذون منهن، مقبلات ومدبرات ومستلقيات.
فلما قدم المهاجرن المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه. وقالت: إنا كنا نُؤْتى على حرف، فاصنع ذلك، وإلا فاجتنبني، حتى شَرى أمرهما (أي تفاقم وعظم الخلاف بينهما)، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي: مقبلات ومدبرات ومستلقيات. يعني بذلك: موضع الولد.
إن ابن عباس يرى -ومعه الصحابة والعلماء- من الآية، جواز استمتاع الرجل بزوجته وإتيانها أنّى شاء، من الأمام والخلف، شرط أن يكون الجماع في الفرج فقط.
ودلَّل لفهمه بسبب نزول الآية، لأن سبب النزول يوضح المعنى ويبين المراد، من خلال المشكلة التي يواجهها النص، والحادثة التي يبينها، والقضية التي يعالجها.
وقد تواترت الروايات الصحيحة عن الصحابة في صحة ما قاله ابن عباس، وخطأ ما قاله ابن عمر في هذا الخصوص.
فروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كانت اليهود تقول: إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}.
وفي رواية عن مسلم في صحيحه توضح قول اليهود -الذي كذَّبته الآية- كانت اليهود تقول: إذا أُتِيت المرأة من دبرها في قبلها، ثم حملت، جاء الولد أحول، فأكذب الله اليهود في زعمهم.
وقد أورد الإِمام مسلم هذه الروايات تحت باب، جعل له عنواناً لطيفاً ذا دلالة على موضوعنا، حيث جاء عنوانه " باب جواز جماعه امرأته في قبلها، من قُدامها ومن ورائها، من غير تعرض للدبر ".
وروى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}، قال: في صَمّام واحد يعني في الفرج فقط، من أية جهة كانت، وعلى أي موضع كان.
4 - ابن عباس يحدد لابن الحكم الذين يفرحون بما أَتوا
روى البخاري ومسلم والترمذي عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما أن مروان بن الحكم -وكان والياً على المدينة لمعاوية- قال لبَوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئٍ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، مُعذباً، لتُعَذَّبُنَّ أجمعون.
فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت هذه الآية في أهل
الكتاب، ثم تلا ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ}.
وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استَحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا، من كتمانهم إياه ما سألهم عنه. لقد فهم مروان بن الحكم من الآية انطباقها على المسلمين، وفهم أنها تقرر العذاب لكل من فرح بعمله، ولكل من أحب ثناء الناس عليه بشيء ولو لم يفعله. لكن ابن عباس دلَّه على سبب نزولها، وعلى ملابسة ذلك النزول -ومعرفة السبب تعين على فهم دقيق صحيح للآية- فهي تتحدث عن اليهود في كتمانهم الحق، وإجابتهم المزيَّفة المحرَّفة.
ولكننا نقول إن الآية ليست في اليهود خاصة، الذين فعلوا الفعل الشائن. لكنها تنطبق على كل من فعل ذلك الفعل اليهودي الماكر، في أي زمان ومكان.
إن كل من كتم العلم والحق، وظنَّ أنه ذكي فطن، تشمله الآية في وعيدها له بالعذاب، وإن كل من سُئل عن علم فكتمه هرباً من دفع ضريبته، ولم يبيِّنه للناس، بل اشترى به ثمناً قليلاً تشمله بالوعيد، وإن كل من أصدر الفتاوى الباطلة، والتصريحات الضالة، ووقف المواقف المشبوهة الجبانة، تشمله الآية بوعيدها، ولو زعم أنه مسلم.


ابن عباس يستدرك على ابن عمر في إتيان الزوجة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع