مدونة د. طه أحمد الزيدي


الاستثمار النبوي في رمضان (2)

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


19/04/2022 القراءات: 1469  


رابعا: الاستثمار بالقيام، للنبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة استثمارات في قيام رمضان:
-الاول في بيته ليستثمر معه أهله: في الصحيحين، سئلت السيدةُ عَائِشَةَ رضي الله عنها، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا.
-الثاني في مكان منعزل لوحده أو معه أحد اصحابه ليكثر فيه الاستثمار: عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: صلَّيتُ مع رسول الله ليلةً من رمضان في حجرة من جريد النَّخل، فقام فكبَّر فقال: (الله أكبر، ذو الجبروت والملكوت، وذو الكبرياء والعظمة)، ثم افتتح البقرةَ فقرأ فقلتُ: يبلغ رأسَ المائة، ثم قلت: يبلغ رأس المائتين، ثمَّ افتتح آل عمران فقرأها، ثم افتتح النِّساءَ فقرأها، لا يمرُّ بآية التخويف إلا وقف فتعوَّذ، ثم ركع مثل ما قام يقول: (سبحان ربي العظيم) -يردِّدهن- ثم رفع رأسه فقال: (سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد) -مثل ما ركع- ثم سجد مثل ما قام يقول: (سبحان ربي الأعلى)، ويقول بين السجدتين: (ربِّ اغفر لي)، فما صلَّى إلَّا أربع ركعات من صلاة العتمة -من أوَّل الليل إلى آخره- حتى جاء بلال فآذنه بصلاة الغداة، رواه الحاكم.
-الثالث في المسجد ليستثمر معه أصحابه: عَنْ السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ، فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ، قَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ)، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، رواه البخاري ومسلم.
وتميز قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالآتي:
-بحسن الصلاة من حيث تحسين الصوت وتجويد القراءة بإعطاء كل حرف حقه ومستحقه من الأحكام.
-بطول القراءة، حتى ليقرأ نحو (5) أجزاء في الركعة الواحدة.
-التفاعل مع القراءة فلم تكن قراءته سردا، ففي حديث حذيفة رضي الله عنه: يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، رواه مسلم.
-القيام مع الإمام افضل وأعظم أجراً، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّهُ من قامَ معَ الإمامِ حتَّى ينصرفَ فإنَّهُ يعدلُ قيامَ ليلةٍ)، رواه أصحاب السنن.
خامسا: الاستثمار بالقرآن، في الصحيحين عن ابن عباس، قال: إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَلْقَاهُ، فِي كُلِّ سَنَةٍ، فِي رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ، فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ، وكان عليه الصلاة والسلام يقوم الليل بتلاوة القرآن.
سادسا: الاستثمار بالاعتكاف، وهو الانقطاع إلى الله عن الناس، وهو لزوم المسجد، والتفرُّغ لطاعة الله، وكان من هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في رمضان الاعتكاف في المسجد النبوي، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) رواه البخاري ومسلم، وعن نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ) قَالَ نَافِعٌ: وَقَدْ أَرَانِي عَبْدُ اللهِ: (الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ يَعْتَكِفُ فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَسْجِدِ) رواه مسلم.
ومن مقاصد الاعتكاف ادراك ليلة القدر، إذ تشير الروايات إلى أنه عليه الصلاة والسلام اعتكف العشر الأول من رمضان، ثُمّ في العشر الأوسط، ثُمّ اعتكف العشر الأواخر واستقر عليها طلبا لليلتها: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ، فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: "إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ، أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ" فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ، رواه البخاري ومسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يتعاهد نظافة جسده الشريف وحسن مظهره مع اعتكافه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَأْتِينِي وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فَيَتَّكِئُ عَلَى عَتَبَةِ بَابِ حُجْرَتِي فَأَغْسِلُ رَأْسَهُ وَأَنَا فِي حُجْرَتِي وَسَائِرُهُ فِي الْمَسْجِدِ" رواه أبو داود.
سابعا: الاستثمار بالرباط والجهاد، كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يستثمر مع الله تعالى بالجهاد في رمضان، ففي شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اصحابه في غزوة بدر، ونَصر الله فيها نبيّه نصراً عظيماً، وسميت بيوم الفرقان، وفي شهر رمضان من السنة الثامنة من الهجرة كان فتح مكة، في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر.


الاستثمار في رمضان- المستثمرون- استثمار الاخرة- الاستثمار مع الله- الاستثمار النبوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع