مدونة وسام نعمت ابراهيم السعدي


الشخصية القانونية للمنظمات الدولية

د. وسام نعمت إبراهيم السعدي | DR.Wisam Nimat Ibrahim ALSaadi


16/06/2022 القراءات: 3090  


وترى الدول أن الاعتراف للمنظمات الدولية بالشخصية الدولية يمنحها استقلالا في مواجهتها، الأمر الذي يبدو لها بالغ الخطورة. لأن هذا الاستقلال يعنى أن الصلاحيات القانونية التي تمارسها المنظمات تستند فحسب – على القانون الدولي. وترى الدول أن تمتع المنظمة الدولية بالشخصية الدولية ينبئ بتحول المنظمة إلى حكومة عالمية تنتظم تحت رايتها دول المجتمع الدولي، وفى ذلك مساس بسيادتها واستقلالها الأمر الذي تخشاه حقا. هذا الأمر جعلها تتردد كثيرا في تضمين المواثيق المنشئة للمنظمات نصوصا صريحة تضفى عليها هذه الشخصية.
أما عن مدى تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. فيمكن تلخيص الآراء الفقهية التي عرضت بشأن هذه المسألة في رأيين:
الرأي الأول: ينكر تماما على المنظمات الدولية تمتعها بالشخصية القانونية الدولية، والحجة التي استند إليها أنصار هذا الرأي مستمدة من معيار السيادة الذي يعتبرونه المعيار الوحيد للتمتع بالشخصية القانونية الدولية، ويرون أن الدولة وحدها هي التي تملك مقومات السيادة من شعب وإقليم وسلطة حاكمة. أما المنظمات الدولية فلا تملك هذه المقومات ومن ثم فهي لا تتمتع بالسيادة، وبالتبعية لا يمكن اعتبارها من أشخاص القانون الدولي. كما أنكر البعض الآخر هذه الصفة بحجة مقتضاها أنه يستحيل إنشاء شخص قانوني بموجب اتفاق دولي إذ يرى هؤلاء الفقهاء أن المنظمات الدولية قد وجدت لتحقيق مصالح الرأسمالية، الأمر الذي جعلهم ينكرون الشخصية القانونية عليها كمحاولة للحد من الآثار السياسية للقرارات الصادرة عن تلك المنظمات.
الرأي الثاني: يؤيد فكرة الشخصية القانونية للمنظمات الدولية، ويرى أنصار هذا الرأي أن التمتع بالشخصية القانونية الدولية يثبت لكل من الدول والمنظمات الدولية على حد سواء. وهى تثبت للدول طبقا لأحكام القانون الدولي التقليدي، أما المنظمات الدولية فقد انتشرت وتنوعت اختصاصاتها الأمر الذي يقتضى خضوعها لنظام قانوني، كما اتسع نطاق تطبيق أحكام القانون الدولي ولم يعد قاصراً على حكم العلاقات بين الدول فقط بل امتد ليحكم ويشمل بالتنظيم علاقات للدول مع المنظمات وعلاقات المنظمات فيما بينها. معنى ذلك أن المنظمات الدولية أصبحت من المخاطبين بأحكام القانون الدولي، وانطلاقا من هذا يتعين الاعتراف لها بالشخصية القانونية.
وقد استمر فقهاء القانون الدولي العام في خلافهم حول إمكانية تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية من عدمها. وإنقسم الفقهاء إلى ثلاث فرق. فأصحاب النظرية التقليدية ينكرون إطلاق هذه الصفة على غير الدول، على أساس إنها الكيان الوحيد الذي يملك إرادة ذاتية تمكنها من التصرف المستقل على النطاق الدولي. ورأيهم هذا نابع من إعتبارهم إن السيادة هي معيار الشخصية القانونية الدولية.
والفريق الثاني أنكر الشخصية القانونية المعنوية في الأساس، بحيث إنهم أنكروا تمتع المنظمات الدولية والدول بالشخصية القانونية، ورأيهم نابع من أن الفرد هو الشخص القانوني الوحيد وإنه لا توجد شخصية قانونية معنوية وهم أصحاب المدرسة الموضوعية.
أما الفريق الثالث وهم أصحاب النظرية الحديثة، فقد أقروا تمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية، وأقروا لها أهلية قانونية تكسبها حقوقاً وترتب عليها إلتزامات في ظل النظام القانوني الدولي. وعلى الرغم من إن غالبية الفقهاء إعترفوا بالشخصية القانونية الدولية للمنظمات الدولية، إلا إن بعضهم قصرها على بعض هذه المنظمات. فالبعض يقرر إن هذه الصفة لا تكون إلا للمنظمات الدولية التي تملك القدرة على إنشاء القاعدة الدولية أو التي تصدر قراراتها بالأغلبية وليس بالإجماع. وهناك من يؤيد هذا الرأي، لكونه ممن يشترطون القدرة على إنشاء القاعدة القانونية، حتى تثبت صفة الشخصية القانونية للشخص القانوني، ورأيه هذا ينسجم مع المعيار الذي يؤيده.
وإذا كانت الغالبية العظمى من فقهاء القانون الدولي تسلم بأن المنظمات الدولية تتمتع بالشخصية القانونية الدولية – إلا أن هؤلاء المعترفين قد اختلفوا في أساس تمتع المنظمات بتلك الشخصية. فمنهم من اشترط أن ينص عليها صراحة سواء في الوثيقة المنشئة للمنظمة، أو في الاتفاقات التي تعقد في إطارها. ومنهم من اكتفى بأن تستخلص هذه الشخصية من الاختصاصات الضمنية للمنظمة الدولية. ومن الفقهاء من حاول التقليل من آثار هذه الشخصية فيرى أن المنظمات الدولية تتمتع بالأهلية القانونية دون الشخصية القانونية.
كما حاول آخرون من الفقه قصر ثبوت الشخصية القانونية الدولية على بعض المنظمات الدولية دون البعض الآخر. فهي لا تثبت إلا للمنظمات التي تكون لديها القدرة على إنتاج قواعد القانون الدولي.
وهناك من يقيد إضفاء وصف الشخصية القانونية الدولية على المنظمة الدولية بعدد من الشروط، حيث جاء القضاء الدولي وحسم هذا الجدل الفقهي ليعترف بوضوح بتمتع المنظمات الدولية بالشخصية القانونية الدولية. وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الشهير الصادر في 11 نيسان 1949؛ بناء على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 ديسمبر 1948، في القضية المعروفة بقضية التعويضات عن الأضرار الناجمة عن الخدمة في الأمم المتحدة.


المنظمات الدولية - الشخصية الدولية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع