مدونة أ.د. نغم حسين نعمة


قراءة في حقوق الانسان في ظل تداعيات جائحة كورونا

أ.د. نغم حسين نعمة | nagham Hussein alnama


12/12/2020 القراءات: 2839  


بعد أن اجتازت جائحة كورونا معظم مدن العالم مهددةً سلامة المواطنين وأمن الدول واقتصادها، بات من اللازم أن نفكّر إلى أين ستأخذنا هذه الجائحة وما تأثيرها على إنسانيتنا؟ في ظل الأزمات والحروب، يميل الناس إلى العنصرية والتطرف والعنف. فقد شهد التاريخ ازدياداً في العنصرية بعد كل من الحربين العالميتين. وعلى الرغم من أن نقص الشيء يجعلنا نشعر بمن يفقده، فإن الانهيارات الاقتصادية تجعل الشعوب تركز تلقائيا على سد احتياجاتها دون التطرق إلى فقر الشعوب الأخرى. ووجود جائحة ككورونا ليس إلا حرباً عالميةً ثالثة شنتها الفيروسات علينا! كورونا ليست مجرد فايروس يصيب الجهاز التنفسي وينتشر بسرعة بل إنها أكبر من ذلك بكثير. حرب كورونا هي حرب ضد الإنسانية وضد الأمن الاقتصادي والدولي.
تسارع الانهيار الاقتصادي يهدد شعور الأفراد بالأمان. ويؤثر هذا الانهيار على الفرد بشكل مباشر عن طريق شح الموارد وعدم وجود دخل كافٍ ولا فرص عمل كافية. فيترك مجتمع منهار اقتصادياً، محبط، ولا يمتلك الطاقة الكافية للمواصلة. وكل ذلك يجعل هذا المجتمع يميل إلى العنف والأنانية، ووجود الأنانية بين الشعوب ستقوي مفهوم الوطنية السلبي حيث ستكون الشعوب منحازة إلى حدودية أوطانها، غير مكترثة بما يعيشه باقي العالم من كوارث اقتصادية وبشرية. أي أن كل بلد حدودي سيهتم بالسيطرة على ما بداخل حدوده حتى وإن كان ملتزماً بتقديم المساعدات لبلاد أخرى قبل انتشار الفيروس.
هذا وإن البلاد التي أهلكت الجائحة اقتصادها وأمانها واستقرارها ستميل إلى التطرف العنصري لشعورها بأنها قد خذلت من الدول المستقرة المجاورة. على سبيل المثيل، ستجتهد إيطاليا في تقوية اقتصادها ونظامها الصحي بعيداً عن الاتحاد الأوروبي الذي لم يكن عوناً لها في ظل الأزمة. وفي حال أن ايطاليا نجحت في ذلك، ستنفصل عن الاتحاد الأوروبي. وحين يكون الاستقرار الاقتصادي منعدم أو شبه منعدم، تتلاشى مفاهيم العطاء عند عامة الناس مما يؤثر بشكل مباشر على تدني حقوق الإنسان، هذا وإن فكرة أن أي شخص نراه في الشارع معرض إلى أن يكون حاملاً للفيروس تخلق في الفرد الرغبة بالابتعاد عن الناس وكأنهم أعدائه.
وعلى هذا السياق فإن التنافس على المواد الغذائية ومواد التعقيم قد أثر وبشكل ملحوظ على أنانية الفرد مما جعله يكدس هذه المواد دون التفكير باحتياج الآخرين لها، والأمر الأخطر على إنسانيتنا هي العنصرية التي سببتها كورونا ضد الصين والشعب الصيني. سيبرر العالم عنصريتهم ضد الصينيين بحجة أن الفايروس انطلق من الصين بسبب سوق الحيوانات الحية في ووهان. وسيعمم الناس سلوكيات بعض الأفراد على المجتمع الصيني كاملاً منطلقين بنشر العنصرية ضدهم وكأن كل فرد صيني مسؤول عن هذا السوق، وكما شدد الأمين العام للأمم المتحدة، هنالك خطورة واضحة في انتشار المعلومات المضللة بشأن انتشار الفايروس وتصدي الدول له. وكما ادعى فإن انتشار هذه المعلومات المضللة بخطورة انتشار الجائحة لذا على المنصات واجب التقليل من انتشارها كما على الفرد الوعي والتصدي لمثل هذه المعلومات.
هذا يدل على أن رغم مواجهة الناس حول العالم ذات الجائحة ومشاركتهم ذات المصاعب، حقوق الإنسان والقيم الإنسانية في منخفض واضح، والجدير بالذكر أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبح لديها اليوم دور أكبر بالمحافظة على القيم الإنسانية. ويتم ذلك عن طريق نشر معاناة الناس والتعاطف ومعها ونشر طرق للوقاية الصحية وتشجيع الناس بالتزامهم منازلهم في فترة الحجر الصحي. لذلك فإن نشر الوعي على المستوى الفردي سيعزز هذه القيم وسيحد من أزمة فايروس كورونا على إنسانيتنا. والحد من انخفاض القيم الإنسانية يبدأ حين يدرك الفرد أن الإنسانية في خطر ما إن لم يفعل شيئاً للحد منها.
التصدي لحرب الكورونا ضد الإنسانية تكون باحترام الإنسان واحترام حقوقه المدنية والاقتصادية والثقافية والسياسية. وخسارة البشرية أمام هذا الفايروس تكون حتماً بخسارتنا جزء من إنسانيتنا. وبالرغم من أن جائحة كورونا تهدد مفاهيم الديمقراطية فواجبنا أن نمنعها من تهديد المفاهيم الإنسانية. ستزول هذه الجائحة ما إن تمت السيطرة عليها صحياً أما آثارها السلبية فلن تزول إلا بالتكاتف العالمي ونشر الوعي بين سكان العالم.
دفعت أزمة جائحة فيروس كورونا حكومات عديدة، بما فيها الديمقراطية، إلى تطبيق "حالة طوارئ صحية"، تسمح لها باتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة انتشار الفيروس القاتل، فسنّت، على عجل، قوانين تحدّ من تحرّكات الناس، وتمنح للسلطات التنفيذية مساحاتٍ واسعةً للتحرّك لتقييد حريات الناس، بما فيها الشخصية، بدعوى حماية صحتهم. وفي أغلب الحالات، سنّت هذه القوانين في غياب تام لأي نقاش داخل المجتمع، وفي ظل حالة إجماع وطني قسري، فرضه جو الرعب من الجائحة التي تزهق يومياً أرواح آلاف من الناس. وقليلة الدول الغربية الديمقراطية التي رفضت أن تفرض على شعوبها قوانين طارئة تحدّ من حريات الناس، ووضعت ثقتها في وعي (وتفهم) شعوبها، ويبدو أنها ربحت الرهان، أقله حتى هذه اللحظة. وفي المقابل، ظهرت في دول عديدة خروق بالجملة منذ اليوم الأول الذي منحت فيه الحكومات سلطاتٍ أوسع لنفسها لممارسة وصايتها على الناس، ففي الهند، مثلاً، انتقدت "مفوضية حقوق الإنسان" التدابير التي اتخذتها السلطة في أكبر ديمقراطية في العالم للحدّ من انتشار فيروس كورونا في البلاد، خصوصاً التي تخرق الحق في الخصوصية، مثل لجوء بعض الولايات الهندية إلى وضع أختامٍ على أيدي من خضع للحجْر، وإلصاق شعارات على أبواب منازل المعزولين، لضمان التزامهم بالحجْر. أو استعمال الشرطة الهندية الهراوات لتأديب الناس بطريقة مهينة في الشوارع، بدعوى خرقهم إجراءات الحجْر الصحي!


حقوق الانسان ، جائحة كورونا


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع