مدونة الدكتور محمد محمود كالو


التعميم لغة الجهلاء والحمقى

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


02/01/2023 القراءات: 3552  


التعميم لغة الجهلاء والحمقى
=================
كل الأغنياء جشعون!
جميع الفقراء كسولون!
جميع لاعبي كرة القدم مغرورون!
أهل المدينة الفلانية كلهم بخلاء!
كل بائع يكذب ليكسب المزيد من المال!
هذه لغة الجهلاء والحمقى، وهذا هو التعميم الخاطئ بعينه لا محالة، والذي هوى فيه كثير من الناس في محاكماتهم، إذ يقود إلى استنتاجات خاطِئة، ومنه ما يتهم به المسلمون كقولهم: جميع المسلمين إرهابيون!
فالتعميم ظاهرة خطيرة لا تستند إلى أدوات قياس علمية وموضوعية، وتُستعمل لنقل وترويج السلبيات سواء كان ذلك لمجرد نقل الحديث أم بغرض إساءة السمعة أو الانتقام، حيث يثير مشاعر التنافر والكراهية ومشاعر الحقد بين أفراد المجتمع,
وهذا التعميم في الحقيقة إن دل على شيء فإنما يدل على خلل في الدين والعقل والقلب والخلق.
كما أن ظاهرة التعميم مخالفة للقيم الانسانية والوصايا الإلهية قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْرٰىۜ} [الأنعام:164]، وقال سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].
ومن هنا نلاحظ تكرار كلمة (أَكْثَرَ النَّاسِ)، في القرآن الكريم، إذ أغلب ما يأتي بعدها هو (لا يشكرون، لا يعلمون، لا يؤمنون).
قال الله تعالى: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ} [البقرة: 243].
وقال جل جلاله: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ‎} [الأعراف: 187].
وقال سبحانه وتعالى: {وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ} [هود: 17].
والمتأمل في كلمة (قليل) في القرآن الكريم؛ يجدها في المدح والثناء.
قال الله تعالى: {فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].
{تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].
{قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ} [الأعراف: 10].
{وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود: 40].
{وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13].
{وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} [ص: 24].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تَرجِعوا بَعدي كُفَّارًا، يَضرِبُ بَعضُكم رقابَ بَعضٍ، لا يُؤخذُ الرَّجلُ بجنايةِ أبيهِ، ولا جِنايةِ أخيهِ) [رواه النسائي].
أي: لا يُعاقَبُ أحدٌ بدلًا من غيرِه، فلا تعمم العقوبة، بلْ كلُّ نفْسٍ بما كسَبَت رهينةٌ، فيَحمِلُ كلُّ إنسانٍ آثامَه وأوزارَه.
وقد قال أحد الحكماء: (التعميم هو لغة الجهلاء والحمقى وأصحاب العاهة الفكرية).
ويقول شكسبير: (لا يعمم إلا الأغبياء).
كيف لا، والتعميم سبب الخراب والدمار والظلم والعدوان، والجور والخسران، ومجانبة الحق والصواب.
وفي هذه الأيام بمجرد ما أن يسمع أحدهم بخطأ تاجر أو طالب أو مصل أو عابد أو عالم أو شيخ أو موظف أو رب أسرة؛ إلا وتراه أسرع في تعميم الخطأ على كل تاجر وكل طالب وكل عابد وكل عالم وكل رب أسرة.
فما ذنب بقية الطلاب إذا أخطأ طالب؟ وما ذنب بقية التجار والأطباء والعلماء والصيادلة والمدرسين والشيوخ.. إن أخطأ تاجر أو طبيب أو عالم أو شيخ أو صيدلي أو مدرس؟!
لذا ينبغي علينا تبني الثقافة "النسبية" في أحاديثنا، بأن نَنسب العمل السيئ إلى الشخص الذي ارتكبهُ فقط، وليس إلى المجتمع كله.
إن ظاهرة التعميم من الظواهر السلبية الشائعة في مجتمعنا، والتي تٌشكل خطورة على ثقافته ورقيه وحضارته، لذا نتطلع جميعاً إلى طرح هذه الظاهرة الخبيثة ونبذها والعمل لمحاربتها والقضاء عليها.


التعميم، لغة الجهلاء، لغة الحمقى، التعميم خطأ، أكثر الناس، الأغبياء


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع


(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون)