مدونة الباحث/محمد محمد محمود إبراهيم


✍️السفارات بين الطرفين

باحث /محمد محمد محمود إبراهيم | MOHAMED MOHAMED MAHMOUD IBRAHIM


13/03/2023 القراءات: 201  


✍️السفارات بين الطرفين

لما كانت قريش تعرف حرج موقفها إن نشب قتال جديد ، سيرت الوسطاء يفاوضون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لعلهم ينتهون معه إلى مخرج من هذه الورطة

وكان أول من جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة فكلموه وسألوه عن سبب مجيئه ، وأخبروه بأن قريش أعدت العدة لقتاله وصده عن البيت الحرام ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
‏" إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن قريشاً قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا ، وإن هم أبوا إلا القتال فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره‏ "‏
قال بديل‏:‏ سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتي قريشاً، فقال‏:‏ إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم‏.‏

فقال ذوو الرأي منهم‏:‏ هات ما سمعته‏، فأخبرهم ، ولكن قريشا ركبت رأسها وقالوا وإن كان جاء لا يريد قتالا ، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبدا ولا تتحدث ذلك عنا العرب ، فبعثت قريش مِكْرَز بن حفص، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ " هذا رجل غادر" ، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم‏.‏

ثم أرسلوا له رجل من كنانة اسمه الحُلَيْس بن علقمة‏ ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏
" هذا فلان، وهو من قوم يتألهون فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه " ، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون ، فلما رأي الهدي يسيل عليه من عرض الوادي (جانبه) ، قال‏:‏ سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت
ورجع إلى قريش دون أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم إعظاما لما رأي ، فقال لهم :‏ رأيت البدن قد قلدت وأشعرت، وما أرى أن يصدوا
فقالوا له : أجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك

فغضب الحليس عند ذلك وقال : يا معشر قريش والله ما علي هذا حالفناكم ولا علي هذا عاقدناكم ، أيصد عن بيت الله من جاء معظما له ، والذي نفس الحليس بيده لتخلن بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد ( وكان سيد الأحابيش) . فقالوا له : كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به..

ثم بعثوا إلى رسول الله رسولا رابعاً هو عروة بن مسعود الثقفي سيد أهل الطائف ، فكلمه الرسول بنحو مما كلم به أصحابه ، واخبره انه لم يأت يريد حرباً وإنما يريد أن يزور البيت كما يزوره غيره فلا يلقي صاداً ولا راداً

فقام من عند الرسول وقد رأي ما يصنع به أصحابه لا يتوضأ ألا ابتدروا وضوءه ولا يبصق بصاقا ألا ابتدروه ولا يسقط من شعره شئ إلا أخذوه
فرجع إلى قريش فقال : يا معشر قريش إني قد جئت كسري في ملكة وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه وإني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشئ أبداً فروا رأيكم ، وقد عرض عليكم خطة رُشْدٍ فاقبلوها‏.‏

وطالت المحادثات ، فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يبعث هو إلى قريش رسولا من عنده يوضح موقفه تمشيا مع حرص الرسول صلى الله عليه وسلم، علي السلم وتأكيدا لحلمه الذي بلغ غايته ، ودعا رسول الله صلى الله عليه و سلم خراش بن أمية الخزاعي فبعثه إلى قريش بمكة وحمله علي بعير له ، ليبلغ أشراف مكة ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم ، فعقروا به جمل الرسول ، و أرادوا قتله فمنعته الاحابيش فخلوا سبيله حتى أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم

ولما رأي شباب قريش الطائشون، الطامحون إلى الحرب، رغبة زعمائهم في الصلح فكروا في خطة تحول بينهم وبين الصلح، فقرروا أن يخرجوا ليلاً، ويتسللوا إلى معسكر المسلمين، ويحدثوا أحداثاً تشعل نار الحرب، وفعلاً قاموا بتنفيذ هذا القرار، فقد خرج سبعون أو ثمانون منهم ليلاً فهبطوا من جبل التنعيم، وحاولوا التسلل إلى معسكر المسلمين، غير أن محمد بن مسلمة رضي الله عنه قائد الحرس اعتقلهم جميعاً‏.‏
ورغبة فـــي الصلــح أطلـق سراحهم النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنـهم، وفي ذلك أنزل الله‏ تعالى :
{‏وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏[‏الفتح‏:‏ 24‏]‏

وفي فظاظة قريش وسماحة المسلمين وحلم الرسول صلى الله عليه وسلم نزل قوله عز وجل:
{ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}سورة الفتح ـ آية 20


✍️السفارات بين الطرفين


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع