مدونة د. طه أحمد الزيدي


(طوفان الأقصى) في ضوء السياسة الشرعية (ح3) شبهة عدم التكافؤ بين الطرفين في الصراع

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


13/10/2023 القراءات: 1216  


ثالثا: شبهة عدم التكافؤ بين الطرفين في الصراع
من المعلوم لدى فقهاء السياسة الشرعية أن عدم التكافؤ بين المحتل والمقاوم ليس مانعا من القتال شرعا وأخلاقا، وقد حدث لبس أو إلقاء شبهة، في معركة (طوفان الأقصى)، مفادها أن عدد مقاتلي المقاومة الإسلامية الذي هجموا على مستوطنات غلاف غزة أقل بكثير من عدد الجيش الصهيوني وعدته، وهذا يتعارض مع التخفيف الذي نص عليه القرآن الكريم ، مما يؤدي الى التهلكة بحق المقاتلين ومن ثم التدمير لأهل غزة.
وهذا التوصيف الفقهي قاصر، ولم يراع التفصيل في الحكم بالوجوب والجواز، ولا التفريق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب، وأول القتال وفي أثنائه، فأمر التكافؤ يراعى في الطلب، وعند شدة المعركة وتستدعي انسحابا، لذا قرر الفقهاء أنه عندما يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة، واستدل الجمهور بقوله تعالى: (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: ٦٦)، فلا يجوز لمائة أن يفروا من مائتين ولا الألف من ألفين، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار، وهذا تخفيف من الله تعالى، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين، والمائة للألف، الوارد في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) (الأنفال:٦٥)، فهنالك فرق بين: جواز الفرار، ووجوبه أو حرمة القتال، فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم، ولا سيما المعارك الكبيرة بعد عصر التنزيل كاليرموك والقادسية وحروب الردة، أما لو هجم العدو على بلاد المسلمين واحتلها، وجب دفعه، ولو كان عدده أضعاف عدد المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وعليه فإن خيف أن يهجم العدو على مدن المسلمين فيستبح دماءهم وأعراضهم، فيجب صده ومقاومته، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقتال الدفع مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به لكن يخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلفون من المسلمين فهنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يسلموا ونظيرها أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتلة أقل من النصف فإن انصرفوا استولوا على الحريم فهذا وأمثاله قتال دفع لا قتال طلب لا يجوز الانصراف فيه بحال ووقعة أحد من هذا الباب" .(الفتاوى الكبرى ، 5/539)
وفصّل ابن قدامة هذا الأمر تفصيلا دقيقا ونصّ على حكم الجواز وليس الوجوب، قال رحمه الله: "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين، فغلب على ظن المسلمين الظفر، فالأولى لهم الثبات؛ لما في ذلك من المصلحة، وإن انصرفوا جاز؛ لأنهم لا يأمنون العطب، والحكم عُلق على مظنته، وهو كونهم أقل من نصف عددهم، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه، ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر؛ لما فيه من المصلحة، وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة، والنجاة في الانصراف، فالأولى لهم الانصراف، وإن ثبتوا جاز، لأن لهم غرضا في الشهادة، ويجوز أن يغلبوا أيضا" انتهى من "المغني" (٩/٢٥٤).
فتبين جواز القتال مع القلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، ولاسيما للنكاية بالعدو المحتل الغاصب.


طوفان الأ قصى- فتاوى القضية الفلسطينية- تكافؤ طرفي الصراع- طه الزيدي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع