مدونة د. سعد عبد اللطيف خلف الاعظمي


افلا يتديرون القرآن ام على قلوب اقفالها - المحطة الثانية ج 3

د.سعد عبد اللطيف خلف الاعظمي | Dr. Saad Abdulateef Khalaf AlAdhami


15/08/2022 القراءات: 1949  


فالملائكة المقربون لما رأوا وشاهدوا ما كان من إبليس ازدادوا خوفا ووجلاً، فكيف تُستخرج العبودية إلا بمثل هذا الابتلاء والتمحيص؟
والأنبياء والمرسلون -وهم أعرف الناس بالله- ازدادوا خوفا ووجلاً من رب العالمين.
والمؤمنون الصادقون لا يغتر واحد منه بعلمه ولا بعمله، بل يظل دائما على خوف ووجل، لأنه لا يأمن من مكر الله (ابن القيم، 1978، 511-520)
قال تعالى: "فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ" (الأعراف: 99)
• أن الله تبارك وتعالى جعله عبرة لمن خالف أمره وتكبر على طاعته وأصر على معصيته، كما جعل ذنب أبي البشر آدم -عليه السلام- عبرة لمن ارتكب نهيه أو عصي أمره ثم تاب وندم ورجع إلى ربه، فابتلى أبوي الجن والإنس بالذنب، وجعل إبليس عبرة لمن أصر، وأقام على الذنب، وجعل آدم عبرة لمن تاب ورجع إلى ربه، فلله في هذا من الحكم الباهرة والآيات الظاهر؟!
• أن الله تبارك وتعالى قد جعل إبليس محكَّا يمتحن به خلقه، ليتبين به خبيثهم من طيبهم، والله سبحانه علم الخبيث والطيب أزلا قبل أن يخلق الخبثاء والطيبين
• أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه، ولا ريب أن أولياءه نالوا بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به من أنواع شكره ما لم يكن يحصل لهم بدونه، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة قبل أن يخرج منها، وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ثم اجتباه ربه وتاب عليه وقبله. سبحانه من خلق الخلق بحكمته وعدله، فما من شيء في الكون صغر أو كبر علمناه أو جهلناه، رأيناه أم غاب عنا إلا وهو مخلوق لله بعدله وحكمه. (حسان، 2005، ص159)
• أن المحبة، والإنابة، والتوكل، والصبر، والرضا إلى غير ذلك من هذه المعاني هي أحب العبودية إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه العبودية لا تتحقق إلا بالجهاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى هو ذروة سنام العبودية، وأحبها إلى الرب سبحانه، فكان في خلق إبليس وحزبه قيام سوق هذه العبودية وتوابعها التي لا يحصى حكمها وفوائدها وما فيها من المصالح إلا الله، لو لم يخلق الله عز وجل إبليس، فكيف تحقق مرتبة العبودية بجهادك لنفسك ولهواك وللشيطان؟
• أن من أسماء الله الحكيم، والحكمة من صفاته سبحانه وحكمته تستلزم وضع كل شيء موضعه الذي يليق به، فاقتضت حكمته خلق المتضادات، وتخصيص كل واحد منها بما لا يليق به غيره من الأحكام والصفات والخصائص. (حسان، 2005، ص161)
لم يرعوي ابليس واصر على العناد لان المفاجأة كانت اكبر من تحمله لها, عاد والقى اللوم على رب العزة (( (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم)..الاعراف الاية 16)
قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(الحجر - 39)
ويعلم بوجود عباد مخلصين فاستثنى إلا عبادك منهم المخلصين “ ولا يعلم حال الخلق جميعا ان كل شيء في الكتاب مسطورا قبل خلق الكون.
مما يحز في النفس ان بعض الكتاب لقصور فهمهم إرادة الله فاعتبروا ان ابليس لم بعصي لان السجود لله وفاتهم ان الملائكة ادرى بهذا ولكن الطاعة واجبة وكذلك اعتبروه شهيدا كالكاتب يوسف العظم .
لنتأمّل معًا في هذا المشهد هذه الآيات التي تعكس الحالة النفسية لإبليس عليه لعنة اللَّه في موضعين: الموضع الأوّل عندما خلق اللَّه عزّ وجلّ آدم وأمر إبليس أن يسجد له فأبى واستكبر، والموضع الثاني وهو في مقرّه الدائم ومثواه الأخير يوم القيامة يلقي على مسامع أنصاره من الإنس والجن خطبته الجهنّميّة المشهورة. لنتأمّل معًا هذه اللوحات التصويريّة الرائعة التي تحملها لنا حركات الحروف، وعلامات التشكيل في هذه الآيات:
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِيْ مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ (12) الأعراف
في هذه الآية قال إبليس "أنا" تعبيرًا عن الاستكبار والاستعلاء..
ولذلك جاءت حركات الحروف التي بعدها مصوِّرة لهذه الحالة!
جاء بعدها: "خَيْرٌ مِّنْهُ"! الكلمتان مضمومتان!
نعم.. استكبر وعصى وتمرَّد على أمر ربه وخالقه!
وانطوت الحقب والأزمان سريعًا، جيلًا بعد جيل..
من لدن آدم -عليه السلام- حتى آخر نفس من ذريته تموت بنفخة الصور الأولى..
يَفنى الجميع، ويبقى اللَّه الواحد الحي الذي لا يموت.. سبحانه.
ثم تأتي النفخة الأخرى ويكون البعث والنشور، ويقوم الخلق إلى ربهم فمنهم شقي وسعيد.
يأتي من ضمنهم إبليس وهو يجرُّ أذيال الخيبة والذل والهوان.
وكما انقضت الدنيا ينقضي يوم الحساب.. يوم مقداره خمسون ألف سنة.
والناس فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير.
ومن مقرِّه ومستقرِّه الأخير والدائم في جهنم يلقي إبليس على مسامع أنصاره وأعوانه من الإنس والجن خطبته الجهنّميّة الرهيبة!
لنستمع إليه ماذا يقول فيها:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِيْ فَلَا تَلُوْمُوْنِيْ وَلُوْمُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُوْنِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِيْنَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ (22) إبراهيم
تأمّل كيف تبدَّل الحال!
تأمّل الحالة النفسية لإبليس في هذا الموضع!
تأمّل كيف يهوي إبليس اللَّعين من القمة إلى القاع!
تأمّل حاته بين التكبُّر والذُّل!
لقد قال "أنا" في هذا الموقف أيضًا، ولكن شتان ما بينهما!
تأمّل كيف جاء بعدها حرف مكسور ليصور حالة الذل والانكسار التي أصابته في ذلك المقام!
بل الكلمة التي جاءت بعدها تضمَّنت 3 كسرات (بِمُصْرِخِكُمْ)!
وانتهت بحالة سكون.. إنه السكون الأبدي لإبليس عليه لعنة اللَّه!


ادم خليفة الملائكة ابليس الاستكبار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع