د.امل صالح سعد راجح


أهمية البحث الكيفي في البحوث السوسيولوجية

د.امل صالح سعد راجح | Dr.Amal Saleh Saad Rajeh


02/03/2022 القراءات: 1477  


إن المشاركة بين الباحث ومبحوثيه هي أهم ما ينادي به المنهج الكيفي. فالبحث الاجتماعي يتوخى إنتاج المعرفة، ولكن هذه المعرفة يجب ألا تكون فقط مجرد تجميع للبيانات و تحليلها دون تلمس الدواعي الحقيقة لحدوث المشكلة قيد البحث؛ إذ تكون هذه البيانات فاقدة للمعنى الحقيقي من وراء جمعها وتبويبها، فأهمية البيانات والمعلومات هي التي تعطي صورة واقعية وحقيقية لما نريد بحثه عن الظاهرة أو المشكلة المبحوثة. فالمشاركة بين الباحث ومبحوثية تعد من أهم أساسيات البحث الاجتماعي، فالمبحوثون أساس البحث الاجتماعي، وتكون النتائج معبره عنهم. "إذ يدخل الباحث آراءهم وخبراتهم وتصوراتهم في الحسبان في كافة مراحل البحث: منذ تصميم خطة البحث، مرورًا بعمليات جمع المادة، وتصنيفها وتحليلها، حتى كتابة التقرير النهائي. المبحوث هنا إنسان كامل الأهلية وصاحب حقوق مقدسة وكيانه مساعد لكيان الباحث، وهو شريك في توليد المعرفة لأنه شريك في صنع حياته، أو هو يسعى – على الأقل إلى ذلك؛ لأنه يعيه تمام الوعي" (هس وليفي، ص13،12).
فعندما أقوم بالبحث في مشكلة العنف تجاه المرأة، فلا يكفي فقط توجيه أسئلة للمبحوثات عما إذا كن تعرضن للعنف أم لا، ولكن علي أن أتيح لهن بأن يعبرن عما يعانينه من هذا العنف، وما هي آثاره على نفسيتهن، وشخصيتهن، ورؤيتهن لأولادهن وحبهن لهم إن كان مصدر العنف من الزوج مثلًا. فهنا سأجد العديد من المشاعر التي تواجهها المبحوثات في هذا الجانب أثرت عليهن، وعلى أسلوب حياتهن، كما أنني أتيح للمبحوثات أن يبدين آراءهن في الحلول التي يرينها مناسبة للتخلص من هذه المشكلة، وأحاول أن أبلور ذلك في صياغة مقترحات أو حلول شاركت المبحوثات المعرضات للعنف في صياغتها.
وقد نجد أن إحدى الطرق المتبعة في دراسة هذه المشكلة هي المقابلة المتعمقة التي تسمى المقابلة المكثفة، "وهي إحدى طرق البحث الشائعة الاستعمال بين الباحثين الكيفيين في جمع البيانات. وتتخذ المقابلة المتعمقة الأفراد كمنطلق للعملية البحثية، وتعد المقابلات المتعمقة نوعًا خاصًا من الحوار بين الباحث والفرد، الذي يجري معه المقابلة يتطلب وجود التساؤل الفعال والإنصات الفعال" (هس وليفي،211). إن ذلك يساعد في توليد المعنى، وإخراج مكنونات النفس، وما تعانيه المبحوثات من مشاعر، وإحباطات وردود أفعال تجاه العنف الممارس ضدهن. وبهذا تختلف المقابلة الكيفية عن المقابلات الكمية، التي تتكون من أسئلة مقننة وموحدة (والتي تكون ذات نهاية مغلقة غالبًا، بمعنى أنها ذات اختيارات محددة للإجابات الممكنة)، وذلك بهدف الحصول على بيانات قياسية موحدة. فالبحث الكيفي يهتم بإخراج المعاناة التي يعانيها الأفراد وما يواجهون من المشكلات، وشعورهم إزاءها أكثر من الاهتمام بتجميع البيانات (رغم أهميتها) ولكن البيانات هي صورة هذه المشاعر والإحباطات التي يعانيها الأفراد. هي رؤيتنا للظاهرة الاجتماعية والفهم الحقيقي لها. كما تعد طريقة جماعة المناقشة المركزة التي تتم بمقابلة عدد من المبحوثين إحدى طرق المنهج الكيفي "إذ تساعد الباحث على أن يقوم، وبطريقة استقرائية، ببلورة القضايا والأفكار والاهتمامات الرئيسية التي يستخرجها من مجموعة من المبحوثين في وقت واحد، وسوف تكون هذه البيانات ذات طابع كيفي، ومن ثم سوف تكون بيانات وصفية (حية وتفصيلية)، وموجهة لفهم العملية الاجتماعية، مما يعطي الباحث عمقًا واتساع أفق في موضوع لا يعرف عنه إلا القليل. "(هس وليفي،332). ومن الطرق التي يستند إليها المنهج الكيفي طريقة دراسة الحالة، فاتجاهات الفرد الاجتماعية و أنماط سلوكه قد تطورت عن محاولة التعامل مع الأحداث والخبرات الهامة في حياته، التي كانت بمنزلة نقاط تحول في تاريخه ... فطريقة دراسة الحالة يمكن أن تكون مفيدة لرجل الاجتماع في دراسة أولئك الذين فشلوا في تحقيق أهدافهم و أولئك الذين نجحوا في تحقيق تلك الأهداف؛ لأنها ستساعده على أن يدرك العوامل الهامة في كل من القرارات الماضية والحياة المستقبلية على السواء ... فالباحث الذي يستخدم هذه الطريقة يحاول أن ينظر إلى الفرد وموقفه وسلوكه باعتباره تشكيلاً كليًا من العوامل المركبة التي تؤثر فيه على امتداد الزمن. فطريقة دراسة الحالة إذًا عبارة عن اتجاه جشطالتي أو كلي (شمولي) Holistic في فهم الناس وليس أداة تجزيئية (تفصيلية) لتحليل السلوك الإنساني عن طريق إضافة السمات، وضروب السلوك المتشابهة كما هو الحال في طريقة البحوث المسحية. (الجوهري والخريجي،1995: ص247،246،245). أيضًا يتضمن البحث الميداني الإثنوجرافي دراسة الجماعات والأفراد وهم يمارسون حياتهم اليومية. ويتطلب تنفيذ مثل هذا البحث نوعين مختلفين من المهام فالباحث الميداني يدخل أولاً، إلى بيئة اجتماعية ويحاول أن يتعرف على الناس الذين يعيشون فيها ... ويشارك الباحث في الأمور اليومية الروتينية لأطراف ذلك الموقف ويطور بمرور الوقت علاقات مستمرة مع الناس في هذا المجتمع. والواقع أن مصطلح "الملاحظة المشاركة" غالبًا ما يستخدم لتشخيص هذا المدخل الأساسي للبحث. ولكن الباحث من جهة ثانية، يدون بشكل منتظم ومنهجي كل ما يلاحظه وكل ما يقف عليه من معلومات أثناء مشاركته في جولات الحياة اليومية للآخرين. وهكذا ينشئ الباحث الميداني سجلاً مكتوبًا تتراكم فيه هذه الملاحظات والخبرات ويشمل هذان النشاطان المترابطان جوهر البحث الإثنوجرافي ألا وهو المشاركة الشخصية المباشرة في عالم اجتماعي لم يكن معروفًا من قبل، وإعداد تقارير مكتوبة عن هذا العالم يصور فيها مثل هذه المشاركة. (إيمرسون وآخرون،2010: ص53). جزء من بحث نشر في مجلة كلية الآداب/ جامعة عدن/ العدد الرابع عشر/2017


البحث الكيفي- البحوث السوسيولوجية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع