مدونة الدكتور محمد محمود كالو


هل الزلزال عقوبة من الله تعالى؟ (1)

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


19/02/2023 القراءات: 581  


هل الزلزال عقوبة من الله تعالى؟
منذ أن وقع الزلزال الهائل الرهيب الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وسوريا صباح يوم الاثنين 6/02/2023 في تمام الساعة الرابعة وسبع عشرة دقيقة؛ ونحن نسمع عدداً كبيراً من التساؤلات:
هل الزلزال هو غضب وانتقام من الله تعالى؟
هل هو توجيه وتنبيه وتحذير؟
هل هو آية من آيات الله تعالى تدل على قدرته ووحدانيته؟
هل هو بلاء وابتلاء من الله تعالى؟
إن القول في الزلازل التي تضرب المشرق والمغرب ولا تميز بين برٍّ وفاجر، بأنها عقوبة للعاصي مطلقاً قولٌ لا يستقيم، لأن الظواهر الكونية لا ترتبط بصلاح الناس أو فسادهم، بل ترتبط بسنن الله تعالى في الكون، فالزلازل والبراكين تقع في بلدان مسلمة وغير مسلمة، والمرض والموت والبلاء يصيب المؤمن وغير المؤمن، كما أن هذا القول ينافي نصوصاً حديثية أخرى ورد فيها أن صاحب الهدم شهيد، فكيف يُستساغ الإقرارُ له بالشهادة مع اتهامه بالمعصية؟
فالواجب على العلماء والدعاة تصبير الناس على المصاب، وتبشيرهم بالأجر الذي أعده الله تعالى لأهلهم الذين قضوا في الزلزال، فقد بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم شهداء، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، والشهيد يختاره الله ويصطفيه لمحبته وفضله، كما قال تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: 140]، فالشهداء مصطفون ومختارون ومفضلون عند الله تعالى، والواجب أن نفرح لهم لا أن نحزن عليهم.
ومن الأحاديث الجليلة التي تضمد جراح المبتلين بفقد الأحبة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يودُّ أَهْلُ العافِيةِ يومَ القيامةِ حينَ يُعطَى أَهْلُ البلاءِ الثَّوابَ لَو أنَّ جلودَهُم كانَت قُرِضَت في الدُّنيا بالمقاريضِ) [رواه الترمذي برقم:2402].
أما قضية عقاب الله تعالى للناس بالزلازل ونحوها، فقد كانت عقوبة للأمم قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إذ كانت الأمة التي ترفض منهج الله تعالى، وتكفر برسله تعاقب من فورها، بالصيحة، أو الرجفة، ونحوهما، لكن ذلك انقطع وانتهى بقدوم نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجرت سنن الله تعالى في كونه، تأجل عقاب الأمم للآخرة، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
والصواب الذي دلت عليه الأدلة الصحيحة أنه:
قد تكون الزلازل آية دالة على قدرته ووحدانيته سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59]، وهو ما يحتاجه الطائع والعاصي معاً.
وقد تكون تحذيراً وعظة من الله تعالى لعباده، ولذلك ذكر الكبرى في تفسيره أنه لما رجفت الأرض في الكوفة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: (أيها الناس: إنَّ ربَّكم يَستعتبكم فأَعْتِبوه) أي يطلب منكم الرجوع عن الإساءة واسترضائه فافعلوا.
وكم من مشهد رأيناه في هذا الزلزال فيه من العظة والعبرة الشيء الكثير منها:
مشهد مقطع فيديو لرجل تركي ناج من الزلزال يقول باكياً: "وأنا تحت الأنقاض لأيام تخيلتُ أني في القبر ويسألني أحدهم: من ربك؟ من نبيك؟ ما دينك؟
أنا كنت قبل الزلزال أصلي فقط يوم الجمعة، ولكني تحت الأنقاض أدركتُ أني لستُ جاهزاً للموت، وأعلن توبتي وسأصلي الصلوات الخمس منذ الآن".
فهل نحن جاهزون لذلك اليوم، وهل جمعنا من الزاد ما يكفي لذلك اليوم؟!
ومشهد تلك الفتاة الصغيرة التي أخرجوها من تحت أنقاض الزلزال وهي تقول: (صار لي يوم كامل ماصليت!).
فهل حافظنا على صلواتنا؟
ومشهد تلك العجوز المحشور بين ركام جدران بيته، وهو يطلب ماء للوضوء من فرق الإنقاذ ليصلي...!!
ومشهد تلك المرأة المُسنة التي ترفض الخروج من تحت الأنقاض مع فرق الإنقاذ قبل أن يعطوها الحجاب لتخرج مستورة! فهي تعرف أنها وإن نجت من الزلزال، فلازال فيها أنفاس لا يمكن أن تقضيها في أي مشهد فيه ما لا يرضي الله تعالى، ولو كانت معذورة!
ومشهد ذلك الأب الذي رفض ترك يد ابنته حتى تأتي فرق الإنقاذ لانتشالها.. إنه يُذكرنا بيوم القيامة حين قد يفر هذا الأب نفسه من بنيه وأهله أجمعين.
ومشهد آخر للطفلة التي تطلب الخروج من تحت الأنقاض بأي ثمن، وإن كان الثمن أن تعمل خادمة لدى منقذها، ونحن.. بماذا نفدي رقابنا من جهنم يومئذ؟
فهل إلى خروج من سبيل؟


الزلزال، عقوبة، تحذير، انتقام، زلزال تركيا، مشاهد


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع