مدونة البيتي العلمية


تأثير العولمة الثقافية في صناعة الإعلام العربي (تونس أنموذجاً)

حسن محمد عبدالله البيتي | Hassan Mohammed Abdullah Albaiti


16/04/2022 القراءات: 2333  


أن العولمة الثقافية قد غيرت أنماط في تصوراتنا لصالح الدول التي يخدمها هذا النوع من العولمة، وعلى سبيل المثال كنا بالأمس غير البعيد نعيب أي صناعة صينية، ونقول المنتج الياباني والكوري والأوروبي هو الأفضل، إلى أن سقطت العولمة الاقتصادية بيد الصين عند ما انتقلت الشركات المصنعة إليها، فأصبحنا نقول: المنتج الصيني أصناف ودرجات.
كذلك الحال فيما يتعلق باللغة عند ما تأثرت بالعولمة الثقافية، تأثرت المصداقية تبعاً لذلك، وخصوصاً فيما أفرزه النتاج الفكري للمستشرقين.
يقول الباحث آشرين (2010، ص121): قد تؤدي عولمة اللغة الإنجليزية لتصبح اللغة العالمية المستخدمة في مجالات الأعمال والتعليم إلى طرح برامج جامعية، يصبح فيها عنصر التدريب على استخدام اللغة الإنجليزية في المحادثة والتخصص المهني على القدر نفسه من الأهمية التي تتمتع بها محتويات البرنامج الأكاديمي.
إن هذه العولمة هي بمثابة مخدر غربي للقارة الآسيوية والأفريقية، حيث روجت للاحتلال بإنه استعمار (أي من باب أنه يعمر في البلدان)، وأفقدت الحركة العلمية العربية طابع الترجمة للمعارف الغربية والاعتماد على الدراسة للمعارف باللغة الغربية دون ترجمتها، وهذا أوجد شح في المحتوى العربي المترجم، عدا سوريا وفلسطين اللتان لا تزالان تترجما مناهجهما باللغة العربية، وخصوصاً أن وزارة التعليم العالي الفلسطينية تبنت هذا المشروع، و الذي بمقتضاه يتم ترجمة كتب العلوم في 7 جامعات و22 كلية, وذلك لما يقارب من 500 مساق جامعي بعام 2014.
ولو عدنا لأثر العولمة في الإعلام العربي، سنجد أن المفاهيم العربية للإعلام، وخصوصاً الصحافة متأثرة جداً بالمفاهيم الغربية القادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وقد استعرض ذلك الدكتور فاروق أبو زبد في كتابه "فن الخبر الصحفي" (2011، ص46) عند ما استعرض المدرسة العربية للصحافة، وبيَّن مدى تأثرها بالفكر الليبرالي الذي ساد بداية القرن العشرين، فمن أولئك د. محمود عزمي، ود. حسنين عبد القادر، ود. عبد اللطيف حمزة، وجلال الدين الحمامصي، ود. خليل صابات.
وبخصوص السينما فقد أوضح د. أنور مبروكي في كتابه (معلومات المجتمع التونسي المعاصر من خلال الإنتاج السينمائي بين عامي 2000 و 2007) ما يشير لعلاقة المصداقية بالعولمة الثقافية، حيث قال: هناك جدل حقيقي حول مصداقية السينما التونسية اليوم ، وقدرتها على التواصل مع الجماهير بعمق وإيقاظ ضمائر المجتمع التونسي في ظل الوضع الحالي، لا يمكن حل هذه المشكلة إلا عند رفع القيود المفروضة على حرية التعبير.
وفي هذا إشارة على أن يعتبر مفهوم الحرية في السينما مفهوماً يستغل بطريقة وبأخرى، ولي مقال منشور حول هذه المسألة (حول مسألة الحرية والإبداع في السينما) وهو مبحث ومفهوم خطير يتم استعماله لغايات أحيانا تؤدي إلى تشتيت المجتمعات أكثر مما تتقدم بها؛ فمثلاً يستغل بعض السينمائيين اليوم هذا المفهوم للتشهير ببعض المواضيع الجانبية الشاذة في المجتمع لغايات ربحية، ولا يراعون في ذلك على الجانب القيمي في المجتمع، وهو بصورة أخرى شكل من أشكال شحن قيم جديدة لتغيير قيم شاذة. وهو ما يعطي للجماهير خارج تونس فكرة بأن مشكلة السينما التونسية هو المرأة لباسها وحياتها ككائن مكبوت وناقص ومهمش.
لا يوجد مجتمع كامل على الارض وهو الشيء الذي لا يعترف به بعض السينمائيين الذين يتاجرون بقضايا شاذة فقط للشهرة لا غير، ويبررون ذلك بأن المجتمع يرفض أن يرى نفسه في المرآة.
هنا تصبح الرقابة الذاتية عند المخرج أخطر من رقابة الآخر عليه؛ يعني أن المخرج يسعى لإرضاء الآخر كسوق وليس كقيمة مالية وليس كقيمة إنسانية، ولذلك طالبنا برفع الرقابة الذاتية السلبية المسلطة على السينمائيين من ذواتهم؛ لتحرير الصورة السينمائية أكثر فأكثر؛ لعرض المشاكل الحقيقية للسينما؛ مثل: الغزو الغربي للشعوب العربية مثلاً أو الإعلام الدولي وتجارته بقضايا الشعوب العربية، أو رفع اليد عن أن العرب شعوب متخلفة دينها المرأة ومشاغلها الجنس، كما تبين أعداد كبيرة من الافلام.
بالطبع عندما نسأل هذا السؤال يكون الرد مباشرة من قبل السينمائيين أن اغلب الدول العربية لا تدعم فيها الدولة السينما، وهو ما يضطرها للبحث عن دعم أجنبي، وبالطبع كل دعم أجنبي يفرض أحيانا حتى تغيير في السيناريو أو الأفكار، وهو ما اعتبره استغلال للحرية باسم حرية ثانية لا تحترم ولا تعترف بالحرية الأولى، ولذلك فالمسألة قيمية بالأساس.
عندما يحل موضوع الدعم المالي عن السينما العربية وقتها سيحل المشكل ولا يبقى في يد أرباب المال والأيديولوجيا.
هكذا نجد العولمة الثقافية فرضت نفسها من خلال سلسلة من ثقافة متعددة تكاد تكون أشبه بالترويج للوجبات السريعة،

المصادر
أبو زيد، فاروق. (2011). فن الخبر الصحفي. (الطبعة الثانية، ص46 – ص49). القاهرة، مصر: عالم الكتب.
آشرين، ب، ترجمة عمر، لميس. (2010). تغيير التعليم العالي، الطبعة العربية الأولى، الرياض، السعودية: مكتبة العبيكان.


العولمة الثقافية تونس اللغة الإنجليزية


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع