الدبلوماسية الجزائرية: نظرة نقدية
07/05/2020 القراءات: 3320
بدأ تراجع الدبلوماسية الجزائرية منذ بداية التسعينيات بفشل الاصلاحات السياسية ووقف المسار الانتخابي، حيث تراجع دور الجزائر لتنشغل بقضاياها الداخلية (السياسية والامنية والاقتصادية)، وحتى في زمن بوتفليقة لم تسترجع الجزائر نشاطها الدبلوماسي الفعال بل قام بوتفليقة بتوظيف الدبلوماسية لخدمة بقائه في الحكم مدى الحياة وحماية نفسه من خصومه داخل النظام. طوال ثلاثة عقود مضت انكفأت الجزائر على نفسها ولم تعد تؤثر في القضايا العربية والافريقية: فعلى سبيل المثال لا الحصر نتساءل كم هو عدد زيارات رؤساء الجزائر للدول الافريقية خلال الفترة 1990-2020؟؟؟ وما هو حجم التعاون الاقتصادي مع هذه الدول؟؟؟ ولنقارن ذلك مع نشاط رؤساء فرنسا وتركيا في افريقيا خلال السنوات السابقة؟؟ لقد كان هذا التراجع امرا طبيعيا ونتيجة منطقية لضعف الدولة، ففي التسعينيات ركزت السلطة الحاكمة على الدفاع عن نفسها وتلميع صورة النظام في الخارج .. ومنذ أحداث سبتمبر 2001 انتقل النظام الحاكم في الجزائر الى تسويق نفسه لدى الغرب كزبون لتوفير الطاقة ومحاربة الارهاب وركز جل نشاط الدبلوماسية على تسويق التجربة الجزائرية في محاربة الارهاب. ومنذ 2011 انتقل النظام الى توظيف الدبلوماسية لتشويه الثورات العربية ومساندة الثورات المضادة، وتدهور الوضع اكثر بعد مرض بوتفليقة حيث تعطلت الدبلوماسية ودخلت في مرحلة من الجمود نتج عنه افلات قضايا تخص الامن القومي من يد الجزائر (ليبيا ومنطقة الساحل). ان من ابرز نقاط ضعف الديبلوماسية الجزائرية هو اضفاء القداسة عليها والتغني بأمجاد الماضي ورفض التقييم والنقد الذاتي والموضوعي لحصيلة النشاط الديبلوماسي طوال ثلاثة عقود من الزمن والتركيز المفرط على الجانب الامني، اضافة الى افتقاد الدبلوماسية لقوة اقتصادية تسندها وافتقادها لترسانة اعلامية محترفة تروج لها خارجيا وليس توظيف القضايا الخارجية كفزاعة للداخل. كما تفتقد الدبلوماسية الجزائرية لمؤسسات شرعية (الرئاسة والحكومة والبرلمان) قادرة على تفعيلها في خدمة الدولة وليس النظام، والاكثر من ذلك مازالت النظرة التقليدية للدبلوماسية هي السائدة حيث ينظر للسياسة الخارجية انها حكر على الرئيس والجهاز التنفيذي واستبعاد الفواعل المجتمعية الاخرى من الانخراط في العمل الدبلوماسي الذي يخدم الدولة ويدافع عن مصالحها في الخارج، وفي هذا السياق أصبحت الدبلوماسية الجزائرية في حاجة ماسة الى مراكز البحث والتفكير التي تنتج الافكار وتحلل السياسات دون ان ننسى الحاجة الى مؤسسة استخباراتية كفؤة ومحترفة قادرة على التغلغل والحصول على المعلومات ونوظيفها في الوقت المناسب.. إن هذا النقد الموجه للدبلوماسية الجزائرية وتراجعها هو نابع من الادراك بأن انكفاء الجزائر على نفسها وانحسار دورها الخارجي سيجعل الجزائر عرضة للتدخل في شؤونها الداخلية ويعرض امنها القومي للخطر، والخطر الذي يداهمها مستقبلا هو التقسيم. ولعل العام والخاص لاحظ انه منذ زمن بعيد لم تعد الجزائر ذاك البلد المؤثر في القضايا العربية واتبعت سياسة الناي بالنفس مما افقدها اوراقا ضاغطة ضد الخصوم، وكذلك اهملت الجزائر افريقيا فبدل انتظار الافارقة يجب الذهاب عندهم والتغلغل في اقتصادياتهم ومساعدتهم في ايجاد حلول لازماتهم. والهدف هنا هو خلق حالة من تشابك المصالح بين الجزائر والدول الشقيقة والصديقة في افريقيا تجعل مصالح الجزائر مشتركة معها، وبالتالي تتعزز مكانة الجزائر في افريقيا .. وفي سبيل ذلك يجب تقوية الجبهة الداخلية وتطبيق الحلول الجذرية لكل الازمات التي تعاني منها الجزائر بداية بالانتقال الديمقراطي من اجل الفصل النهائي في شرعية الحكم ومأسسته وجودته، ثم الانتقال الاقتصادي بالخروج من اقتصاد الريع الذي تسبب في افلاس الدولة وفسادها، وصولا الى العدالة الانتقالية بالتخلص من تراكمات الماضي وعدم توريث الازمات والاحقاد بين الاجيال .. ان العوامل الجيوسياسية اصبحت تفرض على الجزائر احداث القطيعة مع الاساليب السابقة في ادارة الدولة ووضع خطة استراتنيجية لبناء القوة، لأن الدبلوماسية تتطلب قوة ترافقها (قوة اقتصادية، قوة مؤسساتية، قوة اعلامية، قوة استخباراتية وعسكرية، قوة علمية وتكنولوجية). ولهذا فالعقلانية تحتم الاعتراف بحالة الضعف والهشاشة (التخلف الاقتصادي والفشل التنموي، العنف السياسي، الفساد، ازمة الشرعية، رداءة الخدمات، عدم القدرة على تطبيق القانون...الخ)، التي تعيشها الجزائر منذ التسعينيات وتفاقمت اكثر في السنوات الاخيرة، وأن هذه الهشاشة والضعف ستبقى دائما مصدرا لضعف الجبهة الداخلية وتشتتها، وبالنتيجة ستشكل عاملا مقيدا ومعيقا لاي دور جزائري في اقليمها، بل انها ستعمق من حالة الانكشاف الخارجي للدولة الجزائرية. ولعل التدخلات الاجنبية الكثيرة في ليبيا وتونس ومالي هي دليل واضح على انحسار دور الجزائر في اقليمها ومجالها الحيوي ... ان البصيرة تقتضي أن تحمي الجزائر حدودها الجيوسياسية قبل حدودها الطبيعية.
الدبلوماسية، الجزائر، افريقيا، السياسة الخارجية
يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع
مواضيع لنفس المؤلف
مواضيع ذات صلة