مدونة زينة وليد عباس


بانتينج وماكلويد: طبيب وباحث لامع أنقذا حياةَ الملايين (ج1)

زينة وليد عباس | zinah waleed Abass


26/06/2020 القراءات: 1635  



كانَ المرضُ المعروفُ حاليًّا باسمِ "السكري" معروفًا منذُ العصورِ الغابرة. ففي أواخرِ القرنِ الأولِ الميلاديِّ وصفَ الأطباءُ اليونانُ في كتاباتِهم مرضًا تميَّزَ بإفرازٍ هائلٍ للبولِ وعطشٍ لا مثيلَ لهُ وفقدانٍ كبيرٍ في الوزن.

وفي القرنِ السابعَ عشَرَ؛ أبدى العالمُ الإنجليزيُّ "توماس ويليس" ملحوظةً مهمةً حينَ فحصَ بولَ أحدِ المرضى. فقدْ لاحظَ "ويليس" أنهُ يحتوي على مادةٍ تشبهُ السكر. وبعدَ مئةِ عامٍ كاملةٍ منْ تلكَ الملحوظة؛ تمكَّنَ إنجليزيٌّ آخرُ منْ إنتاجِ تلكَ المادةِ كيميائيًّا داخلَ المعمل.

تلكَ الاكتشافاتُ والملحوظاتُ قادتْ دراسةَ المرضِ إلى المساراتِ الصحيحةِ. ولكنْ معَ ذلكَ، مرَّ وقتٌ طويلٌ للغايةِ قبلَ حدوثِ أيّ تقدُّمٍ في علاجِه. ووَفْقَ الخطابِ الذي ألقاهُ عضوُ لجنةِ نوبل لعلمِ وظائفِ الأعضاءِ أوِ الطبِّ أمامَ الحضورِ إبَّانَ حفلِ تَسلُّمِ جائزةِ نوبل يومَ العاشرِ منْ ديسمبر منَ العامِ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وعشرينَ؛ بدأتِ البشريةُ تُحرزُ تقدمًا في دراسةِ ذلكَ المرضِ عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وسبعةٍ وعشرينَ، حينَ لاحظَ العلماءُ أنَّ الأطعمةَ النشويةَ تتحولُ إلى سكرٍ في القناةِ المِعويةِ يُمتصُّ عبرَ الدم. وفي عامِ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وسبعةٍ وخمسينَ اكتشفَ عالِمُ الفسيولوجيا الفرنسيُّ العظيمُ "كلود برنارد" أنَّ الكبدَ يحتوي على مادةٍ تُشبهُ النشا -تُعرفُ الآن باسمِ الجليكوجين- يتشكلُ منها السكرُ باستمرارٍ في أثناءِ حياةِ الحيواناتِ والبشرِ؛ ويُفرَزُ منْ خلالِ الكبدِ في الدم.

كانَ اكتشافُ "برنارد" الضخمُ بمنزلةِ إعلانِ الحربِ على ذلكَ المرض؛ توالتْ بعدَها الاكتشافاتُ حتَّى تمكَّنَ العلماءُ منْ معرفةِ أنَّ اضطراباتِ الغددِ والبنكرياسِ قدْ تؤدي إلى الإصابةِ بذلكَ المرضِ؛ الذي كانَ قاتلًا في وقتِها.

ولأكثرَ منْ ثلاثينَ عامًا بعدَ اكتشافِ علاقةِ البنكرياسِ بالسكري؛ حاولَ العلماءُ اكتشافَ علاجٍ لمرضِ السكريِّ عنْ طريقِ تلكَ الغدة. توصلُوا إلى أنَّ حَقنَ الهرموناتِ التي تُنتجُها تلكَ الغدةُ في الكائنِ الحيِّ المريضِ سيُعطي نتائجَ إيجابية.

جاءَ الاكتشافُ الأكثرُ ثوريةً في تاريخِ ذلكَ المرضِ حينَ تمكَّنَ كلٌّ منْ فريدريك جرانت بانتينج وجون جيمس ماكلويد منِ اكتشافِ "الأنسولين".. ذلكَ الهرمونُ السحريُّ الذي يُفرَزُ في أجسامِنا لحرقِ السكر... وهوَ ما استحقَّ عليهِ الاثنانِ جائزةَ نوبل الطب عامَ ألفٍ وتِسعِمئةٍ وثلاثةٍ وعشرينَ.

وُلدَ فريدريك بانتينج في الرابعَ عشرَ من نوفمبر عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وواحدٍ وتسعينَ، في مزرعةٍ بالقربِ منْ مدينةِ أليستون الواقعةِ بمقاطعةِ أونتاريو الكندية. وهوَ الابنُ الأصغرُ ضمنَ خمسةِ أطفالٍ رُزقَ بهم "ويليم بانتينج" و"مارجيت غرانت".

في عامِ ألفٍ وتسعِمئةٍ وعشَرة؛ التحقَ بجامعةِ فيكتوريا لدراسةِ الفنونِ الجميلة؛ فشِلَ في عامِهِ الأولِ وتقدمَ بالتماسٍ لدراسةِ الطبِّ. بعدَ عامٍ واحدٍ، حاولَ الالتحاقَ بالجيشِ ليقضيَ تدريبًا صيفيًّا هناك. وبعدَ تخرُّجِهِ، التحقَ مرةً أخرى بالجيشِ ليُصابَ في معركةِ "كامبريه" ضمنَ صفوفِ القواتِ البريطانية. خلالَ تلكَ المعركة؛ وعلى الرغمِ منْ إصابتِه؛ أظهرَ "بانتينج" بطولةً استثنائيةً وشجاعةً فائقة، بعدَ أنْ ظلَّ يُساعدُ الجرحى لمدةِ ستَّ عشْرَةَ ساعةً كاملة. حصلَ على ميداليةِ الصليبِ العسكريِّ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعَةَ عشَرَ تقديرًا لبطولاتِه في تلكَ المعركة.

عادَ بانتينج إلى كندا بعدَ الحربِ وذهبَ إلى تورونتو لإكمالِ تدريبِهِ الجراحيِّ. درسَ طبَّ العظامِ، وعمِلَ جرَّاحًا مقيمًا في مستشفى الأطفالِ هناك. لمْ يتمكنْ بانتنج منَ الحصولِ على وظيفةٍ دائمةٍ في طاقم المستشفى، لذلكَ قررَ الانتقالَ إلى أونتاريو لإنشاءِ عيادةٍ طبية.

ومنْ يوليو عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وعشرينَ إلى مايو ألفٍ وتسعِمئةٍ وواحدٍ وعشرينَ، واصلَ ممارستَهُ العامة. غيرَ أنهُ واجَهَ العديدَ منَ العقباتِ في إدارةِ عيادتِهِ الخاصةِ؛ إذْ إنَّ ممارستَهُ العملَ كطبيبٍ لمْ تكنْ ناجحةً بشكلٍ كبير.

في أثناءِ العملِ في عيادتِهِ؛ قامَ بتدريسِ جراحةِ العظامِ والأنثروبولوجيا بدوامٍ جزئيٍّ في جامعةِ ويسترن أونتاريو؛ كما حاضرَ في الجامعةِ نفسِها في علومِ الصيدلة.

كانتْ بدايةُ اهتمامِ "بانتينج" بمرضِ السكريِّ عامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وعشرينَ ؛ حينَ قرأَ بحثًا علميًّا جاءَ فيهِ أنَّ ذلكَ الداءَ ناجمٌ عنْ نقصِ هرمونٍ يُفرَزُ في البنكرياس. جاءَ في ذلكَ البحثِ أيضًا أنَّ للبنكرياسِ دورًا في عمليةِ تحويلِ الموادِ النشويةِ إلـى سكرٍ واستقلابِها. استحوذتْ تلكَ الفكرةُ على روحِ "بانتينج"، فقررَ غلقَ عيادتِهِ والعملَ ضمنَ فريقِ جون جيمس ماكلويد في جامعةِ تورنتو.

وُلدَ جون جيمس ريكارد ماكلويد في السادسِ من سبتمبر عامَ ألفٍ وثَمانِمئةٍ وستةٍ وسبعينَ في مقاطعةِ بيرثشاير الأسكتلندية. كانَ والدُه قسًّا مشهورًا؛ اضطرَّهُ عملُهُ إلى الانتقالِ الدائمِ بينَ مسقطِ رأسِهِ ومدينةِ أبردين. هناكَ التحقَ "ماكلويد" بالمدرسةِ، ثُمَّ بجامعةِ أبردين لدراسةِ الطب.

في عامِ ألفٍ وثمانِمِئةٍ وثمانيةٍ وتسعينَ حصلَ "ماكلويد" على شهادةِ الطبِّ بمرتبةِ الشرفِ، كما ربِحَ زمالةَ أندرسون للسفر، التي مكنتْهُ منَ العملِ لمدةِ عامٍ في معهدِ علمِ وظائفِ الأعضاءِ في جامعةِ لايبزيج الألمانية.


بانتينج وماكلويد السكري


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع