مدونة ا.د سلوان كمال جميل العاني


دور البحث العلمي في تنمية الاقتصادات الوطنية

ا.د سلوان كمال جميل العاني | Prof.Salwan K.J.Al-Ani (Ph.D) FInstP


03/12/2022 القراءات: 498  


تُعتبر جامعة القرويين أقدم جامعة في العالم، التي تأسست العام 859م في مدينة فاس المغربية، والتي تخرج منها العالم العربي ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، وهي لا تزال عاملة إلى الآن بدون انقطاع وكانت أول مؤسسة علمية اخترعت الكراسي العلمية المتخصصة والدرجات العلمية في العالم.
ومن ناحية اخرى اصبح البحث العلمي احد المهام الاساسية للجامعات لانه يتيح الحصول على افكار ومعرفة جديدة، ويعتبر الأداة الضرورية لإنتاج المعرفة ويرتبط باحتياجات المجتمع، وعلى الرغم من اهتمام الدول العربية بالبحث العلمي، إلا أنها لا تزال غير قادرة على إنتاج المعرفة التي تلبي احتياجات التنمية. حيث ان لا علاقة لتقدم الدول بعدد الجامعات ومراکز البحث والباحثين، انما بالايمان الحقيقي بأهمية البحث العلمي، وتأمين بيئة بحثية مناسبة، ومکانة محترمة للباحث، وتخصيص ميزانية لإنتاج المعرفة العلمية واستثمارها.
لقد ادركت الدول المتقدمة ان نجاح الامة وتفوقها منوط بقدرات ابنائها العلمية والبحثية ولذلك بلغ انفاق الولايات المتحدة الامريكية واليابان والصين وماليزيا والاتحاد الاوربي 417 بليون دولار على البحث والتطوير ما يعادل ثلاثة ارباع الانفاق العالمي على البحث العلمي.
وعلى مستوى البحث العلمي فهناك عدة مؤشرات لمقارنة الدول العربية مع دول العالم في الألفية الثالثة:
1. المؤشر الاول هو نسبة الإنفاق على البحث العلمي من الناتج المحلي الإجمالي الذي لا يتعدى الـ 1 % في الدول العربية، بينما تبلغ نسبة الإنتاج القومي المخصص للبحث العلمي في بريطانيا والاتحاد الأوروبي هي 1.7%، و 1.9 % على التوالي.
2. المؤشر الثاني هو عدد الباحثين بالنسبة إلى عدد السكان، وتبلغ نسبة الباحثين العرب 1.9 % من إجمالي الباحثين في العالم، بينما يصل العدد في كوريا الجنوبية 4600 باحث لكل مليون نسمة
وتشير الاحصائيات إلى أن الإنتاج المعرفي المعتمد على البحث العلمي في جامعات الاحتلال في فلسطين يزيد بخمسة آلاف مرة عن الإنتاج المعرفي والبحثي في الدول العربية، حيث أن 66 % من مجهود ووقت أساتذة تلك الجامعات يُنفق على البحث العلمي، و34 % في التدريس.
3. المؤشر الثالث هو نسبة المنشورات العلمية على مستوى البحث العلمي حيث تشير تقارير اليونسكو للعلوم ان نسبة المنشورات العربية 2.45 % من إجمالي الإنتاج العالمي في البحث العلمي، بمعدل 82 بحثاً لكل مليون شخص مقارنة مع المعدل العالمي الذي بلغ 176 بحثاً لكل مليون شخص.
4. والمؤشر الرابع هو براءات الاختراع العربية والتي لا تزيد عن 0.2 من الإنتاج العالمي.
ان دور الجامعات البحثية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مهم في تطوير الانظمة الاكاديمية، وفي ايصال بلدانها إلى مجتمع المعرفة العالمي والمنافسة في اقتصادات المعرفة المتطورة.
بينما الجامعات البحثية في العالم النامي لم تصل بعد إلى أعلى المستويات في التصنيف العالمي، لكنها تبقى مهمة في بلدانها وتعمل على تحسين سمعتها وقدرتها التنافسية على الساحة الدولية.
وعلى المستوى التجاري تتزايد المنافسة وعمليات الإنتاج واساليب التسويق، و تستثمر الشركات الناجحة والقطاع الخاص في الدول المتقدمة جانب البحث العلمي والتطوير في الصناعات المختلفة التي تنطوي على عمليات علمية وهندسية وتكنولوجية مثل صناعة الدواء والمنتجات الغذائية والبرمجيات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والروبوتات، والطاقة، وغيرها وتخصص نفقات عالية على البحث والتطوير وتنشئ اقسام لمراقبة الجودة لضمان جودة المنتج واساليب انتاج تكنولوجية مبتكرة لانتاج سلع وخدمات جديدة منافسة للسوق، وتساهم في تنمية الاقتصادات الوطنية.
ولكن يلاحظ ضعف دور القطاع الخاص في عملية البحث والتطوير والتمويل في الوطن العربي.
ففي الوقت الذي تركز الجامعات البحثية على أهمية الاستثمار في البحث العلمي وتأثيره على التنمية المستدامة، تؤدي الجامعات والكليات ومؤسسات التعليم العالي الأخرى دورًا حيويًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وترتكز جهود الجامعات البحثية الحديثة على قيم الابتكار والتحول، من خلال تطوير البرامج التعليمية ذات المستوى الدولي وتنفيذ بحوثا مبتكرة تثري المعرفة وتبني القدرات البشرية وتحول المجتمع بما يجعلها قادرة على بناء الاقتصاد القائم على المعرفة وطرح حلول جديدة للاستدامة والتحديات الأخرى.
ان مساهمة الجامعات والمعاهد البحثية تكون من خلال التعاون بين مختلف القطاعات وبناء شراكات حقيقية مع المؤسسات الحكومية لتطوير استراتيجياتها في معالجة تحديات سوق العمل، ودعم تلك المؤسسات في تحقيق ذلك الهدف، وتقديم مشاريع بحثية ومبتكرة لوضع الحلول ومعالجة التحديات التي تواجه قطاعات الطاقة والطاقة المتجددة والصناعة والبيئة والتلوث وغيرها، والتي يتم تمويلها من صناديق البحث العلمي التي تعزز جانب الاستدامة في عمل الجامعة.
أما المرونة فتعني القدرة على التعامل مع الظروف العصيبة وتحمّل الصدمات والتكيف المستمر والانطلاق بسرعة كافية لتجاوز الاضطرابات والأزمات التي تظهر مع مرور الزمن.
وفي ظل الثورة الصناعية الرابعة وخاصة في مرحلة ما بعد جائحة كورونا (كوفيد -19) تميزت الجامعات بالمرونة في تنفيذ خططها، وهو عنصر أساسي في الحوكمة وتمكِّن الجامعات من مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص حقيقية.
واصبحت مشاركة جامعاتنا مع القطاعات الاقتصادية الأخرى ضرورة وتتطلب انجاز الابحاث عالية الجودة ومنشورة في مجلات دولية محكّمة، التي نحقق من خلالها انخفاض بالتكلفة وزيادة الإنتاجية، والمضي نحو المستقبل في الاختراعات الجديدة والتنافسية.
ولرفع مستويات البحث العلمي والابتكار العربية وتنمية الاقتصادات الوطنية وتطوير الصناعات وابتكار التقنيات والاختراعات يجب دعم الاستمرار بمسيرتها العلمية والبحثية وتعزيز استقلالية الجامعات ومراكزها البحثية من خلال تخصيص ميزانية مستقلة للبحث العلمي والتعليم العالي لانها المولّد للمعرفة والمحرّك للاقتصاد .


جامعة القرويين، الجامعات البحثية، الاستدامة، المرونة، التنافسية، الاختراعات، اقتصاد المعرفة


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع