مدونة محمد كريم الساعدي


ما قبل السقراطية وجمالية التناسب الهارموني والنسبية والوجود الجمالي / الجزء الثالث

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


12/04/2022 القراءات: 947  


لقد وضع (بارمنيدس) العقل قبالة الوجود الذي يدرك بالعقل وحده ، وهو الأداة الفاعلة في ذلك وليس الحواس ، وهذه النظرة جعلت من (بارمنيدس) " مؤسس للميتافيزيقا من حيث أنها مقابلة أو مواجهة بين الوجود والفكر أو بين الفكر والوجود ، لأن مجرد تصور الموجود يدل على وجوده وعند قولنا (الوجود موجود) فليس هذا (طوطولوجيا) أو تحصيل حاصل بل فيه إضافة معنى جديد يتمثل في إثبات الوجود للشيء ، أي أن الشيء الموجود يحمل ذاته معنى وجوده ، فالموجود ووجوده شيء واحد " (8)في العقل الذي يقرر هذا الشيء ،أو ينفي هذا الشيء من عدم وجوده ، فالوجود هو الثابت في أصل الكون وكل حركة تنسب اليه فهي عملية خاطئة لا يتم التعامل معها ولا يتم القرار بها من جهة العقل ، فالجمال لديه في الوجود كونه كامل ومكتمل ، والشيء المتحرك يبقى دائما في تغير ونقصان عن وجوده الأصيل ، لذا فهو " كان ينشد الحقيقة الثابتة التي لا ينتابها تغير ولا فناء فنظر الاشياء فأدرك أنه أنما يحس عنها صفاتها وهذه الصفات متغيرة فانية الا شيئاً واحداً ثابتاً هو الوجود فصفة الوجود هي جوهر الكون وهي أصل الكائنات جميعاً ، بل هي وحدها الحقيقة كل ما عداها وهم وخداع ، يقول : ليس هناك حركة بل ما نراه هو خطأ نظري " (9). على هذا الاساس أصبح الجمال لديه مرتبط بموقف جذري من الوجود على اعتبار أن الوجود هو المرتكز الذي يمكن أن نحدد من خلاله جماليات الاشياء بثباتها ، والمتحرك هو الفان الذي لا يمكن أن يعطي صورة للجمال في نظره ، لأن الوجود مرتبط بالحق ، بل يرى أن الحق هو الوجود ، والوجود " لا يكمن إلا في النظر العقلي ،لأن هذا النظر وحده هو الصحيح وليس ما تأتي به الحواس ،أو التجربة المباشرة التي تقول بالتغير والحركة والتعدد والصيرورة وغيرها من الأشياء والأمور التي يقرها الظن .لذلك إذا اعتبرنا أن كل من (هيراقليطس وبارمنيدس) يسعيان الى بلوغ الحقيقة واللوغوس المبدأ المنظم والمسير من خلال ملاحظتهما التي تنطلق من الحركة والتغير وترفض شهادة الحس على اعتبار أن عند (هيراقليطس) يوهمنا بالثبات في الأشياء بينما يرى (بارمنيدس) أن الحس يخدعنا بإظهار تغير زائف في الأشياء" (10). إنَّ التركيز على التناسب في أطاره التكاملي يعطي صورة للجميل البارمنيديسي، والتناسب مسألة عقلية وليست حسية كون المسألة الحسية لا يمكن أن تدرك التناسب والتناسق الجمالي ، ويرفض (بارمنيدس) كل الحالات التي ترتكز عليها المبدأ الحسي مثل التغير والحركة والتعدد والصيرورة وغيرها من المفاهيم التي تبعد الحقيقة من إيقانها عقلياً ، والعقل هو من يقيم ويقود المسألة الجمالية على وفق الوصول الى الحقيقة وهي بنظره الوجود الحق الكامن في أي ظاهرة جمالية سواء أكانت في الطبيعة وارتداداتها الكونية ، أو على مستوى الجمال الفني القائم على مبدأ (بارمنيدس) العقلي الذي نتيقن من النسق والتناسب من خلال مبدأ التنظيم المسير لهذا التناسق في داخل العمل الفني وظهوراته الجمالية .


الجمال ، الهارموني ، الوجود


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع