مدونة الدكتور محمد محمود كالو


من أنفس ما قرأت.. عبد الحق حرٌّ شريف!

الأستاذ الدكتور محمد محمود كالو | Prof. Dr. Mohamed KALOU


11/06/2022 القراءات: 569  


من أنفس ما قرأت.. عبد الحق حرٌّ شريف!

من أنفس ما قرأت وأحببت أن تطلعوا عليه، هذه الحادثة التي وقعت لعالم جليل مع مجهول غريب لا يعرف من أين هو؟ فإن ركوب الباطل بعد معرفة الحق قمة العبودية، بينما عبد الحق حرٌّ شريف، وما أروع علماءنا الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة على ذلك، تابعوا معي ما قاله القاضي ابن العربي في كتابه: " أحكام القرآن "( الجزء الأول: 182-183):

" أخبرني محمّد بن قاسم العثماني غير مرّة ، قال :وصلتُ الفُسطاطَ مرةً، فجئتُ مجلس الشيخ أبي الفضل الجوهريّ، وحضَرتُ كلامه على النّاس، فكان ممّا قال في أول مجلس جلستُ إليه:" إنّ النبيّ - صلّى الله عليه وسلم- طلّق وظاهر وآلى!

فلما خرج تَبِعْتُه حتى بلغتُ معه إلى منزله في جماعة، فجلس معنا في الدِّهْلِيز وعرّفهم أمري ؛فإنه رأى إشارة الغُربة، ولم يَعرف الشخص قبل ذلك في الواردين عليه، فلما انفضّ عنه أكثرهم ، قال لي: أراك غريباً، هل لك من كلام؟ قلت : نعم ، قال لجلسائه : أفرجوا له عن كلامه .

فقاموا وبقيت وحدي معه، فقلت له: حضرتُ المجلس اليوم متبرّكاً بك، وسمعتك تقول : آلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- وصدقتَ، وطلّق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وصدقتَ، وقلتَ: وظاهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا لم يكن ! ولا يصح أن يكون ؛ لأنّ الظّهار منكر من القول وزور، وذلك لا يجوز أن يقع من النّبي -صلى الله عليه وسلم!!
فضمّني إلى نفسه وقَبَلَ رأسي وقال لي:أنا تائبٌ من ذلك جزآك الله عني من معلمٍ خيراً .

ثم انقلبت عنه، وبكَّرت إلى مجلسه في اليوم الثاني، فألفيته قد سبقني إلى الجامع، وجلس على المنبر، فلما دخلتُ من باب الجامع ورآني ؛ نادى بأعلى صوته: مرحباً بمعلمي؛ أفسحوا لمعلمي !!
فتطاولت الأعناق إليَّ ، وحدقت الأبصار نحوي، وتبادر الناسُ إليَّ يرفعونني على الأيدي، ويتدافعونني حتى بلغت المنبر، وأنا لعظيم الحياء لا أعرف في أي بقعة أنا من الأرض، والجامع غاصٌ بأهله، وأسال الحياء بدني عرقاً، وأقبل الشيخ على الخلق فقال لهم: أنا معلمكم وهذا معلمي!
لمَّا كان بالأمس قلت لكم: آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطلّق وظاهر؛ فما أحدٌ منكم فَقُهَ عني ولا ردَّ عليَّ، فاتبعني إلى منزلي وقال لي: كذا وكذا ،-وأعاد ما جرى بيني وبينه، وأنا تائب عن قولي بالأمس، راجعٌ عنه إلى الحقّ،
فمن سمعه ممن حضر فلا يعوِّل عليه، ومن غاب فليبلغه من حضر، فجزاه الله خيراً , وجعل يحفل في الدّعاء والخلق يؤَمّنون" .

قال ابن العربي معلّقاً: " فانظروا رحمكم الله إلى هذا الدّين المتين، والاعتراف بالعلم لأهله على رؤوس الملأ، من رجلٍ ظهرت رياسته، واشتهرت نفاسته، لغريبٍ مجهول العين لا يعرف مَنْ؟ ولا مِنْ أين؟ فاقتدوا به ترشدوا" .

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. آمين يارب.


أنفس، عبد الحق، ركوب الباطل، قمة العبودية، طلق، ظاهر، آلى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع