مدونة فكر


التهريج السياسي: سُبة العصر وسُم النظم

صورية بوعامر | Soria bouameur


08/09/2024 القراءات: 57  


بقلم:صورية بوعامر

في زمن تتسارع فيه الأحداث وتتداخل فيه المصالح، وفي عالم يشهد تحولات جذرية على كافة الأصعدة، تبرز ظاهرة مقلقة تتسلل إلى صميم الحياة السياسية، إنها ظاهرة "التهريج السياسي" التي تحولت من مجرد تصرفات فردية شاذة إلى سمة بارزة في المشهد السياسي المعاصر.

هذا التهريج ليس مجرد مزاح أو هزل، بل هو سلوك متعمد يهدف إلى تضليل الرأي العام، وتشويه الحقيقة، وتقويض الثقة في المؤسسات، وتحويل القضايا الجادة إلى موضوع للسخرية والاستهزاء. يتجلى هذا التهريج في مجموعة من السلوكيات والأفعال التي تتراوح بين المبالغة في التعبير عن المشاعر، وتبسيط القضايا المعقدة، واستخدام الشعارات الرنانة الخالية من المضمون، وتوجيه الاتهامات الباطلة، واللجوء إلى الأكاذيب والشائعات، وصولا إلى التهكم والاستهزاء بالخصوم السياسيين.

إن أسباب انتشار هذه الظاهرة متعددة ومتشابكة، فهي نتاج تفاعل مجموعة من العوامل، منها تراجع قيم الأخلاق والنزاهة ففي ظل غياب الرؤية الواضحة للأهداف الوطنية، وتراجع القيم الأخلاقية والنزاهة، يصبح اللجوء إلى التهريج وسيلة سهلة لتحقيق المكاسب الشخصية والوصول إلى السلطة.

بالإضافة إلى انتشار ثقافة الاستهلاك فمع تزايد اهتمام الناس بالترفيه والمتعة، أصبح الخطاب السياسي يميل إلى تبسيط القضايا المعقدة وتقديمها في قالب جذاب ومشوق، حتى لو كان ذلك على حساب المحتوى والعمق.
من الاسباب الأخرى لانتشار ظاهرة التهريج السياسي هو تطور وسائل الإعلام فقد ساهمت وسائل الإعلام الحديثة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، في انتشار التهريج السياسي، حيث أصبحت منصات مفتوحة أمام الجميع للتعبير عن آرائهم، دون أي رقابة أو تحرير، مما أدى إلى انتشار الشائعات والأخبار الزائفة.
ومن بين الأسباب الرئيسية لتزايد ظاهرة التهريج السياسي هو تراجع دور الأحزاب السياسية فمع تآكل برامجها، أصبح الفرد هو محور الاهتمام، مما شجع على بروز الشخصيات القادرة على جذب الأنظار وإثارة الجماهير، حتى لو كانت هذه الشخصيات تفتقر إلى الكفاءة والخبرة.

إن ظاهرة التهريج السياسي تحمل في طياتها العديد من المخاطر التي تهدد استقرار المجتمعات وتؤثر سلبا على مسار التنمية كتآكل الثقة في المؤسسات فمع تكرار حالات التهريج السياسي، تفقد المؤسسات السياسية والمجتمعية مصداقيتها، وتضعف ثقة المواطنين فيها، مما يؤدي إلى تراجع المشاركة السياسية وتنامي الشعور بالإحباط واليأس.

كذلك تعميق الانقسامات المجتمعية والتحريض على الكراهية والعنف، فاستخدام لغة التحقير والسخرية، يساهم في تعميق الانقسامات المجتمعية، ويؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي.

إضافة إلى عرقلة عملية صنع القرار، فالتحويل المستمر للقضايا الجادة إلى مواضيع للسخرية والاستهزاء، يجعل من الصعب اتخاذ القرارات الصائبة، ويؤخر عملية الإصلاح والتغيير.

ولمواجهة ظاهرة التهريج السياسي، يتعين علينا اتخاذ مجموعة من الإجراءات على المستويات الفردية والمجتمعية والسياسية،
من رفع مستوى الوعي: يجب نشر الوعي بخطورة التهريج السياسي، وأثره السلبي على المجتمع، وتشجيع الناس على التفكير النقدي والتحقق من المعلومات قبل تداولها.

وتعزيز دور الإعلام من خلال تقديم محتوى إخباري دقيق وموضوعي، والتركيز على القضايا الجوهرية التي تهم المواطنين.

وتفعيل دور الأحزاب السياسية التي لابد أن تستعيد دورها الريادي في تقديم برامج واقعية قابلة للتطبيق.

وضرورة تطوير القوانين والتشريعات لضمان عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وحماية المجتمع من الآثار السلبية للتهريج السياسي.

وحتى يتسنى مكافحة ظاهرة التهريج السياسي لابد من تضافر جهود الجميع، فالمسؤولية مشتركة بين المواطنين والسياسيين والإعلاميين والمؤسسات المجتمعية. فبدون وعي وتعاون الجميع، ستظل هذه الظاهرة تلوث الحياة السياسية وتعرقل مسيرة التنمية.

ختاما، يمكن القول إن التهريج السياسي هو أحد أبرز التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، وهو يشكل تهديدا خطيرا للاستقرار والأمن والتنمية. ولذلك، فإن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهداً متواصلاً من الجميع، بهدف بناء مجتمع واعٍ ومتحضر، قادر على التمييز بين الجد والهزل، والحقيقة والكذب.



#التهريج،#السياسي،


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع