مدونة بكاري مختار


السلطان السلجوقي محمد الملـقب بـ "ألب أرسلان"

د/ بكاري مختار | Dr. BEKKARI mokhtar


24/05/2022 القراءات: 897  



بمعنى الأسد الشجاع، وهو قائد الأتراك المـسلمين بمعركة ملاذكرد وهي من أشهر معارك التاريخ التركي والإسلامي، مثلها مثل بدر، واليرموك، والقادسيّة، وحطين، وعين جالوت، والزلاقة، وغيرها من المعارك الكبرى التي غيَّرت وجه التاريخ، وأثَّرت في مسيرته.
كان انتصار السلاجقة في ملاذكرد نقطة فاصلة في التاريخ، حيث قضت على سيطرة دولة الروم على أكثر مناطق آسيا الصغرى، وأضعفت قوَّتها، ولم تَعُدْ كما كانـت من قبل شوكة في حلق السلاجقة وبلاد الإسلام، حتّى سقـطت في النهاية على يد السلطان العثمانيّ محمد الثاني (محـمد الفاتح)، كما أنّ معركة ملاذكـرد تعد أحد أكبر الأسبـاب الممهّدة للحروب والحملات الصليبيّة.
نجح السلاجقة في النصف الأول من القرن الخامس الهجري في إقامة دولة قَـويّة في خراسان، وبلاد مـا وراء النـهر على حساب الدولة الغزنـويّة، وأعلنـوا تبعيِّتَهم للخـلافة العباسيّة، ثم لم تلبث هَـذه الدولة أن اتَّـسعت بسـرعة هائلة، فسيطرت على إيران والعراق، وتوَّج السلطان طغرل إنجازاته العسكريّة بدخول بغداد في (25 مـن رمضـان 447هـ/23 من ديسمبر 1055م)، وبدأ عصر جديد للدولة العباسيّة أطلق عليه بعض المؤرّخون عصر نفوذ السلاجـقة، حيث كانت السلطة الفعليّة في أيديهم، ولم يبقَ للخليفة سوى بعض المظاهر والرسوم.
يُعَدُّ طغرل بك من كبار رجال التاريخ، فهو المؤسِّس الحقيقي لدولة السلاجقة، فقد نشأت على يديه، ومدَّتْ سلطانها تحت بصره، وغدت أكبر قـوَّة في العـالم الإسلامي، ونفخت الرُّوح في جسد الدولة العباسيّة الواهـن، فدبَّت فيه الحياة، بعد أن أوشكت على الموت منذ أن أعلن البساسيري أحد قادة الجند تبعية بغـداد السـنيّة للدولة الفاطميّـة الشيعيّة بمصر، كسابقة لم تحدث في تاريخها.
تُوفِّي السلطان طُـغرل سنة (455هـ/1063م) دون أن يـترك ولداً يخلفه على العرش، فشبَّ صراع على الحكم حسمه ابن أخيه ألب أرسـلان لصالحه بمعـونة وزيره الشهير نظام الملك المعروف بالذكاء وقوَّة النفوذ، وسعة الحيلة، وتنوُّع الثقافة.
كان ألب أرسلان كعمِّه السلـطان طُـغرل، قائداً ماهراً مقداماً، وقد اتخذ سياسة خاصة تعتمد على تثبيت أركان حكمه في البلاد الخاضعة لنفوذ السلاجقة، ذلك قبل التطلُّع إلى إخضاع أقاليم جديدة وضمِّها إلى دولته، ويذكر المؤرّخون المسلمين أنّ ألب أرسلان كان مشتاقاً إلى الجهاد في سبيل الله، ونشر دعوة الإسلام في داخل الدولة المسيحيّة المجاورة له، كبلاد الأرمن وبلاد الروم، وكانت رُوح الجهاد هي المحرِّكة لحركات الفتوحات التي قام بها السلطان ألب أرسلان وأكسبتها صبغة دينيّة، ولقد بقي سبـع سنوات يتفـقَّد أجـزاء دولته المترامية الأطراف، قبل أن يقوم بأي توسُّع خارجي.
عندما اطمَأَنَّ السلطان ألب أرسلان على استتباب الأمن في جميع الأقاليـم والبلـدان الخاضـعة للدولة السلـجوقيّة، أخذ يُخَطِّط لتحقيق أهدافه البعيدة، وهي فتح البلاد المسيحيّة المجاورة لدولته، وإسقاط الخلافة الفاطميّة الشيعيّة بمصر، وتوحيد العالم الإسلامي تحت راية الخلافة العباسيّة السُّنِّيَّة ونفوذ السلاجقة، فأعدَّ جيشاً كبيراً اتَّجه به نحو بلاد الأرمن وجورجيا، فافتتحها وضمَّها إلى مملكته، كما عَمِل على نشر الإسلام في تلك المناطق.
أغار السلطان ألب أرسلان على شمال الشام وحاصر الدولة المرداسية في حلـب، والتي أسّسـها صالح بن مرداس على المذهب الشيعي في سـنة (414هـ/1023م)، وقـام بإجبار أميرها محـمود بن صالح بن مـرداس على أن تكـون إقامة الدعوة للخليفة العباسيّ بدلًا من الخليفة الفاطميّ في سنة (462هـ/1070م)، ثُـمّ أرسـل القائد التُـركي أتنسز بن أوق الخوارزمي في حملة إلى جنوب الشام، فانتزع الرملة، كما أخذ بيت المقدس من يد الفاطميّين، ولم يستطعِ الاستيلاء على عسقلان، والتي كانت تُعتبر بوابة الدخول إلى مصر.
أغضبت فتوحات السلاجقة رومانوس ديـوجين الإمبراطور الروماني، وحاول أن يدافع عن إمبراطوريّته من التوسعات السلجوقيّة، ودخلت قوّاته في مناوشات ومعارك عديدة مع السلاجقة، وكـان أهمَّـها معـركة ملاذكرد في عام (463 هـ/أغسطس 1071م)، فيُقدّر المؤرّخون أنّ تعداد جُند السُلطان ألب ارسلان ما بين 20 - 30 ألفاً، وجُند الروم ما بين 150 - 200 ألفاً، كما أشار عليه الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك البُخاري بأن يكون وقت الوقعة يوم الجمعة بعد الزوال حين يكون الخطباء يدعون للمجاهدين.
من أشهر إن لم تكُن أشهر لحظات السلطان ألب أرسلان، أنّه ارتدى ثوباً أبيض كاملاً، وخطب في الـجيش أنّه يلبس كفنه الأبيض وإن استُشهد فهذا كفنه، وعلـيهم أن يتبـعوا ملكشاه ابنه الأكبر إذا استُشهد، ولما قد أتى وقت المعركة، وتواقف الفريقان في المواجهة، نزل السلطان عن فرسه وسجد لله، ومَرَّغ وجهه في التراب ودعا الله واستـنصره، فأنزل نصره على جيشه وأسِرَ رومانوس ديـوجين إمبراطور الروم، فلمّا وقف ديوجين بين يديّ السلطان سأله: «إن كُنت أنا الأسير بين يديك، ما كـنت تفـعل؟» فجاوبه ديوجـين: «كُلّ قبيح»، قال: «فما ظنُّك بي؟»، فجاوبه ديوجين: «إمّا أن تقزم بقتلي وتسهرني في بلادك، وإمّا أن تـعفو وتأخُذ الفداء وتُعيدني»، فجاوبه السلطـان ألب أرسـلان: «ما عزمـت على غير العفو، الفداء»، فافْتُدِي منه بألف ألف دينار وخمسـمائة ألف دينار، فقام بين يديّ السلطان وسقاه شربة من ماء، وقَبَّل الأرض بين يديه، وقَـبًَل الأرض إلى جـهة الخليـفة إجلالاً وإكراماً، وأطلق له ألب أرسلان عشرة ألف دينار ليتجهَّز بها، وأطلق معه جماعة من البطارقة وشيَّعه فرسخاً، وارسل معه بعض الجنود يحفوظنه إلى بلاده.
وما كان للسلطان ألب أرسلان أن يُحَقِّق كل هذه الإنجازات بدون جهود وزيره العظيم نِظَام المُلك، الذي لم يكن وزيراً لامعاً وسياسيّاً ماهراً فحـسب، بل كان داعياً للعلم والأدب محبًّا لهما، فـهو من قام بإنشـاء الـمدارس المـعروفة باسم المدارس النظاميّة، وأجـرى لها الرواتـب، وجذب إليها كبار الفقهاء والمحدِّثين، في مقدِّمتهم حُجَّة الإسلام أبو حامد الغزالي،


ألب أرسلان، قائد الأتراك


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع