مدونة د. طه أحمد الزيدي


مصادر الافكار المتجددة للتأليف

د. طه أحمد الزيدي | Dr. TAHA AHMED AL ZAIDI


28/02/2022 القراءات: 1061  


- فكرة تتشكل بناء على مقترح من شخصية علمية أو دراسات بحثية سابقة
كأن يدعو أستاذ في حديثه أو محاضرته أو يقترح باحث في خاتمة دراسته إلى معالجة قضية لم يتم بحثها، نقل ابن حجر العسقلاني، عن الإمام البخاري قال: كنا عند إسحاق بن راهويه، فقال: لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.
يقول ابن عقيل الحنبلي في مقدمة كتابه الفنون: "فما أزال أعلق ما أستفيد من ألفاظ العلماء، ومن بطون الصحائف، ومن صيد الخواطر التي تنثرها المناظرات والمقابسات في مجالس العلماء ومجامع الفضلاء، وطمعا في أن يعلق بي طرف من الفضل أبعد به عن الجهل، لعلي أصل إلى بعض ما وصل إليه الرجال قبلي".
أذكر حينما طالعت كتاب أخلاقيات الإعلام للدكتور سليمان صالح الذي أشار في نهايته إلى: رغبته في دراسة أخلاقيات الإعلام في الإسلام ولكنه تأخر، فاستجبت لدعوته بضرورة مثل هذه الدراسة فقمت بتأليف كتاب المسؤولية الأخلاقية في الإعلام الإسلامي، وحينما كتبت رسالة الماجستير الثانية بشأن الأحكام الفقهية المتعلقة بجرائم المعلومات، اقترحت في خاتمتها: دراسة جرائم المعلومات أو التعامل معها في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفعلا اصبحت هذه المقترحات عناوين لرسائل واطاريح قدمها طلبة دراسات عليا.
وحينما اتممت كتاب معجم الألفاظ الإعلامية في القرآن الكريم، اتصلت بأخي الدكتور صلاح المرعاوي وقد جمع مع العلوم الإسلامية دراسة العلوم السياسية، فاقترحت عليه أن يؤلف معجم الألفاظ السياسية في القرآن الكريم، فرحب بذلك ولا زلت انتظر شروعه فيه، وتحدثت مع أخي الدكتور عمر علي العيساوي عن مشروع معجم الألفاظ الإدارية في القرآن الكريم لسبقه في هذا المجال، ولما وجدت فيه من إلمام وحرص في هذا الفن من العلوم، فبشرني أنه قد شرع في مشروع بهذا الشأن.
وحينما أكملت كتابي (أحكام جرائم المعلومات)، طلب مني أخي الدكتور مثنى الزيدي عنوانا لأطروحة الدكتوراه تجمع بين الإعلام والسنة النبوية، فاقترحت عليه عنوان (إدارة المعلومات في السنة النبوية)، فكتب فيه وأجاد.
وحينما أكملت تأليف كتاب (الإعجاز الإعلامي في القرآن الكريم)، وجدت هنالك مباحث يمكن التوسع فيها في الدراسات التفسيرية والسنة النبوية، ولذا حينما طلب مني أخي الدكتور عدنان الحامدي، عنوانا معاصرا لأطروحة الدكتوراه تخصص حديث نبوي، اقترحت عليه دراسة العلاقات العامة في السنة النبوية، فاعجب به وتبناه وكتب فيه وأجاد.
- الأفكار الناتجة بسبب المناقشات والحوارات والعصف الذهني
وقد تأتي عادة بصورة عابرة، من خلال حديث أو عبارة صدرت في مجلس للعلماء أو حتى لو قيلت في طريق أو سوق أو واسطة نقل، جاء في ترجمة عِكْرِمَة مولى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: إِنِّي لَأَخْرُجُ إلى السُّوقِ فَأَسْمَعُ الرَّجُلُ يَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ فَيَنْفَتِحُ لِي خَمْسُونَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ"، ويقول الدكتور علي الوردي: " اعتدت منذ زمن غير قصير أن اتجول في نواحي المجتمع العراقي وأصغي إلى أحاديث العامة ولا سيما المعمرين منهم، وأولعت بذلك ولعا شديدا، فالكثيرون من الناس في العراق لا يستطيعون أن يفهموا كيف يمكن أن تكون أحاديث العامة مصدرا للعلم"، وأخبرني أخي الدكتور طارق الجبوري أنه جالس وحاور بعض الشخصيات المجتمعية التي عاصرت الحقب التاريخية السابقة ليستلهم منها مفردات لكتاباته التاريخية.
ومنها تدوين الفوائد في أثناء دراسة بعض الكتب العلمية على يد العلماء، كان أخي الدكتور عبد الله جاسم كردي حينما نحضر مجالس الدرس في حلقات العلم يدون بعض الفوائد في أثناء الدرس ثم يعود لتدقيقها والتوسع فيها والإضافة عليها فضلا عن نقدها، وكل ذلك إما على الكتاب نفسه أو على كشكول معه، وكذلك كان يدون فوائد أخرى في اثناء قيامه بتدريسها، وبعد سنوات بدأ بطباعة هذه الفوائد على الكتب التي دَرَسَها أو دَرّسَها.
ومنها أفكار تتولد نتيجة مناقشة الابحاث العلمية في الندوات والمؤتمرات، ولذلك كنت حريصا على حضور المؤتمرات العلمية لأنني أعدها من الرحلات العلمية التي قام بها الأولون السابقون، كما أن المشاركة في مثل هذه المؤتمرات تغذي تنوع التلقي وتوسع دائرة الاطلاع، مما يرفع مستوى الوعي وينمي أفق الاهتمامات، وكم جمعت من هذه المشاركات أفكارا وفوائد، أصبحت فيما بعد مشاريع كتب لي ولمن يسألني عنوانا أو موضوعا يكتب فيه.
- الأفكار التي تستنبط من مؤلفاتك الاخرى
ولاسيما الكتابات الجامعية، أتذكر حينما بدأت بكتابة أطروحة الدكتوراه الأولى بعنوان: (المرجعية الإعلامية في الإسلام)، ظهرت لي روافد وجداول دونتها، ولكن لم أخض فيها حتى لا اترك مجرى النهر، وحينما بلغت النهاية، وفرغت من كتابة الأطروحة، عدت لتلك الروافد لتكون مشاريع كتب (وقد استنبطت خمسة عناوين وهي (معجم مصطلحات الدعوة والإعلام- المرجعية في ضوء السياسة الشرعية – المسؤولية الأخلاقية في الإعلام الإسلامي- ترشيد الافتاء عبر وسائل الاعلام- الموسوعة الإعلامية في القرآن)، ولغزارة ما حوته هذه الأطروحة وأصالتها في الإعلام الإسلامي، قرر الأستاذ الدكتور جمال السامرائي حفظه الله رئيس جامعة لاهاي العالمية للصحافة والإعلام والمشرف عليها اعتمادها ضمن المناهج التدريسية في هذه الجامعة.
يقول الشيخ تاج الدين السبكي، في خاتمة كتاب الابهاج شرح المنهاج (في علم أصول الفقه) الذي أتم فيه ما بدأ به والده تقي الدين السبكي: "وفي عزمي والله الميسر أن أضع شرحا على مختصر ابن الحاجب بسيطا لا عذر لي إذا لم آت فيه بالعجب العجاب محيط بهذا العلم على أتم وجه"، وفعلا ألف كتابا بعنوان (رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب) وطبع في (4) مجلدات، وكثير من العلماء المصنفين يؤلف كتابا مختصرا ثم يشرحه، أو موسعا فيختصره أو يهذبه، أو نثرا فينظمه أو نظما فينثره.
وتقول الكاتبة الفرنسية ناتالي ساروتي :"اشرع في التفكير في كتاب آخر قبل أن انتهي من الكتاب الذي بين يدي"، ويقول ديفيد جوركمان: "قد يمدك البحث بأفكار لأكثر من عشرين كتابا".


التأليف- لماذا نؤلف- تجربتي في التأليف- فكرة الكتاب- التأليف والافكار


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع