مدونة محمد كريم الساعدي


الوعي والمعنى وتشكل الموجودات / الجزء الثالث

أ.د محمد كريم الساعدي | Mohamad kareem Alsaadi


30/03/2022 القراءات: 795  


والمعنى كلمة مفردة وجمعها معانٍ وتأتي أيضاً على صيغتين هما " المعنى المعرفي cognitive meaning هو المعنى العلمي، أو الواقعي factual m. والمعنى الانفعالي motive m. وهو من مفاهيم الوضعية المنطقية حيث يميز فلاسفتها بين المعنى العلمي أو الواقعي لعبارة مثل : يتبخر الماء في درجة حرارة (100 % ) والمعنى الانفعالي لعبارة مثل : الحياة مسرح كبير حيث يعبر المعنى الأول عن واقعه والثاني عن انفعال " (10) .
أنَّ كل ما يمكن ان نبحث في المعنى من اصطلاح سواء أكان فرديًا ذاتيًا، أم جمعيًا، هو خارج الذاتي، أي موضوعي والذي يستمد موضوعيته أو واقعيته عندما تحول إلى صورة ذهنية لإشارتها وارتباطها بشيء خارجي له مدلولات في الاذهان والوعي الجمعي الذي يتفق عليه وعلى صورته الذهنية ، أو يكون الجانب ألاتفاقي المستمد من الاصطلاحات التي دونت عن هذا المعنى في الكتب وأصبح يأخذ واقعه الفعلي من استعمالاته في الدائرة المعرفية المعنية بهذا الاشتغال، إنَّ المعنى حتى وأن كان مجازياً فهو نابع من شيء واقعي، وقد تحول بفعل العلاقات والتعاملات التي تقدمت به خطوات عن الاستخدامات الواقعية وتحول بفعلها، أي بفعل التعاملات إلى مجاز يشير لدلالة ذهنية مجردة، أو حتى بالإمكان أن يجعلها من بعد انفعالية، كما في مثال المسرح وتحويل معناه إذا ارتبط بالحياة، لإعطاء معنى آخر غير ما هو عليه في طبيعته القائمة على تقديم صورة معينة من الحياة ومدى ربطها بالصورة النمطية عن المسرح ذاته .
إنَّ للمعنى جوانب قد لا يمكن احصائها إذا تتبعنا الاشتغالات المتعددة لهذا المصطلح، لكننا نريد ها هنا أن نركز على آلية تشكيله التي سنوضحها في الفصول اللاحقة، والذي يرتبط بالجدلية الانطولوجية ومفاهيمها في تشكيل صورته، لذا فأن التركيز يتم في تشكيل المعنى ليس الذي نتخيله، والذي يأتي إلى اذهاننا في عالم اللامعقول، أو من العالم الخارجي عن تصوراتنا ونعتقد بأننا سوف نجسده على حساب طبيعة الاشياء وواقعيتها بقدر ما نريد أن نذهب إلى هذه الواقعية في وجودها لتشكيل المعنى المستنتج منها وهنا أريد أن أركز على ما قاله ( ميرلوبونتي ) في المرئي واللامرئي ما نصه " إن ما يهمنا هو تحديدًا أن نعرف معنى كيان العالم : وليس لنا أن نفترض بخصوص ذلك شيئاً وبالتالي ليس لنا أن نفترض لا الفكرة الساذجة للكائن ذاته ولا الفكرة اللازمة لها التي هي فكرة كائن للتصور وكائن لأجل الوعي وكائن لأجل الانسان: وإن هذه المفاهيم جميعها هي التي علينا اعادة التفكير بتجربتنا للعالم في الآن نفسه الذي نعيد به التفكير في كينونة العالم. علينا أن نعيد صياغة الحجج الريبية خارج كل ( ابتسار انطولوجي ) وذلك تحديداً حتى نعرف ما معنى الكائن ــــ العالم ، الكائن ــــ الشيء ، الكائن المتخيل والكائن الواعي " (11).
إنَّ إعادة صياغة العلاقة بين ما هو كائن والعالم وبين ما هو كائن ووعيه يتطلب البحث في هذه المسافة التي من الممكن أن تحدد طبيعة العلاقات وتحول الاشياء وواقعيتها إلى مشاريع فاعلة في انتاج ما هو موجود حقيقي في صورة ذهنية واعية نكون نحن جزء من اشتغالاتها الانية واللحظوية حتى لا نبتعد عن الحقيقة ذاتها لصالح الافكار التي لا تراعي منطقية الأشياء، وأنا لا أدعو في هذا المجال إلى التطابق الصوري كما هو في منطق ( أرسطو )؛ بل أحاول أن أبحث في طبيعة حقيقة الأشياء التي نبني على أساسها أفكارنا وليس الأفكار التي نتصور على أساسها حقائقنا، وما يحصل اليوم في العالم هي محاولة لجره إلى ما نتصوره بعيداً عن الحقيقة وواقعية الاشياء، لهذا السبب فالعالم حسب ما نريد في أفكارنا يتشظى إلى جزئيات لا نستطيع أن نسيطر عليها، إلى محاولة العبث بحقيقة الإنسان ذاته كوجود موجود في ضوء تشكيل المعنى، وليس في ضوء تشكيل معنى الإنسان لمجرد أفكار مفترضة تبدأ بما شكل بوعينا قبل أن نعيش الحقيقة ذاتها وفي ذاتها.


الوعي الوجود الموجودات المعنى


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع