مدونة د. جميل مثنى الحبري


الموتُ يُغيِّبُ رُوحَي علّامتي العربيّة في المشرق العربي وفي مغربه (١)

د. جميل مثنى الحبري | Jameel Alhipary


09/04/2022 القراءات: 804  


وكما أنّ للمحبّين أرواحًا مُقدّرٌ لها أن تلتقي في هذه الدنيا "وَقَد يَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بَعدَما *** يَظُنَّانِ كُلَّ الظّنِّ أَن لاَ تَلاَقِيَا"(1)، فكذلك للعلماء أرواحٌ يُقدّر لها أن تلتقي، ليس في هذه الحياة الفانية فحسب، بل وفي الحياة السرمديّة الأخرى أيضًا. بالأمس القريب، في شهر ديسمبر المنصرم 2021م، فُجعنا برحيل أحد أعلام العربيّة وعلمائها الأجلاء في المشرق العربيّ؛ الناقد والبلاغي والمفكِّر الأستاذ الدكتور جابر عصفور أستاذ النقد والبلاغة في جامعة القاهرة، واليوم يُغيّبُ الموتُ أحد أعلام العربيّة وعلمائها الأكابر في المغرب العربيّ؛ الناقد والبلاغي الفهّامة البحّاثة- كما يصفه المغاربة- الأستاذ الدكتور محمد مفتاح، أستاذ الأدب والبلاغة والنقد بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مارس 2022م، وكأنّ روحيهما صنوانِ لا تفترقان. فهما ندّان لا نظير لهما في وقتنا الراهن في عالمنا العربي؛ متعاصران؛ كلاهما ظهرا في فترة السبعينيات، وإن كان عصفور هو الأسبقُ في الظهور- (دكتوراه 1973م)، بينما مفتاح (دكتوراه 1977م)- والأسبقُ في الرحيل، والأغزرُ في التأليف، وكلاهما عُنيا بالتّراث البلاغيّ والنقديّ، وبقضاياهما ومسائلهما، وكلاهما عُنيا بالاشتغال برصدِ الأنساق والخطابات، وكلاهما ذوا مشروعٍ نقديٍ بلاغيٍ عميق، أثريا المكتبة العربيّة بكتبٍ قيّمة قلّ أن تجدَ لها نظيرًا؛ في العمق والإحاطة والمعرفة والموسوعية، وفي التحليل والرصد.
وللدكتور جابر عصفور مشروعٌ علميٌّ متفرِّدٌ، لا يتّسع المقامُ هاهنا للحديث عنه والتعرّض له، سنكتفي بذِكر أبرز من تصدوا لدراسة مشروعه، منهم: يحيى بن الوليد في رسالته للماجستير "التراث والقراءة في الخطاب النقدي عند جابر عصفور" عام 1999م، جامعة الرباط، وربيحة بزان في رسالتها للماجستير "جدل التراث والحداثة في الخطاب النقدي عند جابر عصفور" عام 2011م، جامعة فرحات عباس، الجزائر. ويتمثّل مشروعه في مؤلّفاتٍ قيّمة هي: الصورة الفنيّة عند شعراء الإحياء في مصر- رسالة ماجستير (1969م)، الصورة الفنيّة في التراث النقديّ والبلاغيّ (أطروحة دكتوراه 1973م)، ومفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي (1978م)، والمرايا المتجاورة: دراسة في نقد طه حسين (1990م)، والإحيائيّة والإحيائيّون (1990م)، وقراءة التراث النقدي (1991م)، والتنوير يُواجه الظلام (1992)، ومحنة التنوير (1992م)، ودفاعًا عن التنوير (1993م)، وهوامش على دفتر التنوير (1993م)، وإضاءات (1994م)، وأنوار العقل (1996م)، وآفاق العصر (1997م)، ونظريّات معاصرة (1998م)، وزمن الرواية (1999م)، وضدّ التعصّب (2000م)، واستعادة الماضي (2001م)، وذاكرة الشعر (2002م)، وقراءة النقد الأدبي (2002م)، وأوراق ثقافيّة (2003م)، ومواجهات الإرهاب: قراءة في الأدب الروائي (2003م)، وفي محبّة الأدب (2003م)، والرهان على المستقبل (2004م)، والاحتفاء بالقيمة (2004م)، وغواية التراث (2005م)، ودفاعًا عن المرأة (2007م)، ومن هناك (2007م)، ورؤى العالم عن تأسيس الحداثة العربيّة في الشعر (2008م)، ومقالات غاضبة (2008م)، وجامعةٌ دينها العلم (2008م)، ونقد ثقافة التخلّف (2008م)، ونحو ثقافة مغايرة (2008م)، والنقد الأدبيّ والهويّة الثقافيّة (2009م)، و زمنٌ جميل مضى (2009م)، وفي محبّة الشعر (2009م)، ونجيب محفوظ: الإنجاز والقيمة (2010م)، والهويّة الثقافيّة والنقد الأدبي (2010م)، والرواية والاستنارة (2011م)، وعوالم شعريّة معاصرة (2012م)، وتحوّلات شعريّة معاصرة. أما عن ترجماته ما يأتي: عصر البنيوية، والماركسيّة والنقد الأدبي (1987م)، و النظريّة الأدبيّة المعاصرة (1991م)، واتجاهات النقد المعاصر (2002م)، والخيال- الأسلوب- الحداثة (2005م). ولعلّ المتأمّل في معظم هذه المؤلفات، يلحظُ أنّ عصفور قد عُني أيضًا بالجانب الفكري وانشغل به ردحًا من الزمن، لا سيمّا في فترة التسعينيات، نتيجة صراعاته مع بعض التيارات الإسلاميّة، وعقِب تلك المحنة الذائعة الصيت التي تعرّض لها زميله في قسم اللّغة العربية المفكّر نصر حامد أبو زيد، من تكفيرٍ وتشهيرٍ به بلغت حدّ المطالبة بتفريقه عن زوجته، والتي اضطُرّ على إثرها أبو زيد إلى مغادرة مصر، والرحيل عنها إلى أوربا، وتدريسه هناك حتى توفّاه الله عام 2009م، وذلك بسبب أبحاثه التي قدّمها للترقية، وبالأخصّ منها كتابه (في تجديد الخطاب الديني)، واهتمامه في الأساس بعلوم الإلهيّات، وهي ذاتها المحنة التي تعرّض لها الفيلسوف الفقيه الطبيب قاضي القضاة أبو الوليد ابن رشد (ت 595هـ)، واتُّهِم بسببها بالزندقة والإلحاد.


علامتا العربية، المشرق العربي ومغربه، جابر عصفور، محمد مفتاح


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع