مدونة مولاي مصطفى المقدم


تاريخ الوثائق في العهد النبوي

أ.د. مولاي مصطفى المقدم | Research Doctor: moulay mustapha el mouqadim


08/05/2022 القراءات: 2161  


الوثائق في العهد النبوي:
بدأ علم التوثيق في بداية فجر الإسلام الذي تميزت فيه الوثائق بالقلة، وببساطة أسلوبها ووضوحها وإيجازها، وأنها كانت تفتتح بالبسمة.
وفي العهد النبوي اهتم الرسول ‘بتوثيق ما ينزل من الوحي، وتوثيق المعاهدات، والعقود وغيرها، وفي يلي أمثلة على ذلك:
1) توثيق الوحي:
فقد اتخذ الرسول صلى الله عيه وسلم كتّاباً للوحي، كلّما نزل عليه شيء من القرآن أمرهم بكتابته، مبالغة في تسجيله وتقييده، وزيادة في التوثق والضبط والاحتياط في كتاب الله تعالى، حتى تظاهر الكتابةُ الحفظَ، ويعاضد النقشُ اللفظَ.
وكان هؤلاء الكتّاب من خيرة الصحابة، فمنهم: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، ومعاوية، وأبان بن سعيد، وخالد بن الوليد، واُبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وغيرهم. وكان الرسول عليه السلام يدلهم على موضع المكتوب من سورته، ويكتبونه فيما يسهل عليهم من العُسب( ) واللِّخاف( ) والرَّقاع( ... ثم يوضع المكتوب في بيت الرسول عليه السلام( ).
2) توثيق المعاهدات:
فقد ثبت أن الرسول ‘وثّق معاهداته مع أطراف كثيرين، ومن ذلك:
1. وثيقة صلح الحديبية:
في مسند الإمام أحمد: "وَدَعَا رَسُولُ اللهِ ‘ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ‘: اكْتُبْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو: لَا أَعْرِفُ هَذَا، ولَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ‘: اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، هَذَا مَا صَالَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، فَقَالَ: لَوْ شَهِدْتُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ لَمْ أُقَاتِلْكَ، ولَكِنِ اكْتُبْ: هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى وضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهِنَّ النَّاسُ، ويَكُفُّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ..." [مسند أحمد بن حنبل - أول مسند الكوفيين € - حديث المسور بن مخرمة]
2. وثيقة المدينة:
وهي تلك الوثيقة التي كانت بمثابة دستور جديد لأهل المدينة؛ إذ أن رسول الله كتب كتابا بين المهاجرين والأنصار وَادَعَ فيه اليهود وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم وتبتدئ هذه الوثيقة ب «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ، هَذا كِتابٌ مِن مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ ﷺ...» وتنتهي ب«وإنَّهُ لا يَحُولُ هَذا الكِتابُ دُونَ ظالِمٍ وآثِمٍ، وإنَّهُ مَن خَرَجَ آمِنٌ ومَن قَعَدَ آمِنٌ بِالمَدِينَةِ، إلّا مَن ظَلم أوْ أثِم، وإنَّ اللَّهَ جارٌ لِمَن بَرَّ واتَّقى، ومُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ»
3) توثيق العقود:
في العهد النبوي عرف الناس بتوثيق عقودهم ومعاهداتهم كذلك، وقد ثبت عن النبي ‘أنه وثق العقود التي أبرمها مع أطراف عديدين، نذكر من ذلك:
1- وثيقة البيع:
أخرج الإمام البخاري عَنِ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ كَتَبَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لَا دَاءَ وَلَا خِبْثَةَ وَلَا غَائِلَةَ وَقَالَ قَتَادَةُ الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالْإِبَاقُ. [صحيح البخاري - كتاب البيوع - باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا].
وهي أقدم وثيقة تناقلتها المصادر تتعلق ببيع الرسول ‘ مملوكه للعداء بن خالد بن هودة.
2- وثيقة العتق:
قد حفظ لنا التاريخ أقدم كتاب عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من محمد رسول الله لفتاه أسلم إني أعتقك لله عتقا مبتولا الله أعتقك وله المن علي وعليك، فأنت حر لا سبيل لأحد عليك إلا سبيل الإسلام، وعصمة الإيمان شهد بذلك أبو بكر وشهد عثمان وشهد عليّ وكتب معاوية بن أبي سفيان كان في الكتاب معاوية اهـ)( )
نستنتج من خلال ما سبقت الإشارة إليه في تاريخ الوثائق في العهد النبوي أن الرسول ‘ اهتم اهتماما كبيرا بالتوثيق والوثائق؛ بسبب اعتبارها الوسيلة الأساسية التي تضبط بها شؤون الدين وأمور الدنيا في سائر المعاملات والتصرفات، ويدل على الاهتمام النبوي بها حرصه على تعلم الصحابة الكتابة، واتخاذه كتابا للوحي من خيرة الصحابة، وتوثيقه لمعاهداته وعقوده.


الوثائق في العهد النبوي


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع