مدونة د. اوان عبدالله محمود الفيضي


اللغة العربية بين الواقع والافاق

د. اوان عبدالله محمود الفيضي | AWAN ABDULLAH MHMOOD ALFAIDHI a


13/12/2022 القراءات: 1971  


لاغروة ان اللغة هي الفكر الناطق ووعاء للعلم والمعرفة واداة تنقل بها الافكار والمفاهيم وتعد من الظواهر الاجتماعية التي انتجها التطور البشري وعنصر مهم في الحياة الاجتماعية كونها وسيلة التواصل مع الاخرين
ولغتنا العربية لغة العرب والفكر والثقافة والعقيدة ومن مقومات حياتنا وكياننا لذا فهي من اهم مقومات الدولة والامة والقوميات لأنها حاملة لثقافتنا ورسالتنا والرابط الموحد بيننا والمكون لبنية تفكيرنا والصلة بين اجيالنا وبين الامم وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر والمستقبل فهي معجزة الفكر الكبرى ولها قيمة جوهرية في حياة كل امة لأنها الارادة التي تحمل الافكار وتنقل المفاهيم لهذا تعد بحق الترسانة الثقافية التي تبني الامم وتحمي كيانها فضلا عن كونها مظهر من مظاهر التاريخ
ولا مناص من القول ان اهميتها تنبع من كونها لغة القرآن فهي مفتاح لفهم القرآن ومعجزة الله الكبرى في كتابة العزيز لقوله تعالى(انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)يوسف/2حيث حمل العرب الاسلام الى العالم وحملوا معه لغة القرآن فاللسان العربي شعار الاسلام واهله لان اللغات تعد من اعظم شعائر الامم التي بها يتميزون وبهذا استطاعت العربية ان تكون بحق اغنى لغات العالم واقدمها التي ما زالت تتمتع بخصائصها من الفاظ وتراكيب وصرف ونحو وادب ونقلت بذلك الثقافة العربية عبر القرون فبها توحد العرب قديما وبها يتوحدون اليوم فهي اداة الاتصال ونقطة التلاقي حالا ومآلا قال تعالى(كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون)فصلت/3
فاللغة العربية كانت ولا زالت العروة الوثقى التي تلم حولها الشعوب العربية والامة الاسلامية قاطبة مهما شتتها الظروف والمصالح وستظل من اغزر اللغات العالمية مادة واوسعها مدى واوفرها بالحاجة والغرض لكثرة ابنيتها وثراء صياغتها ومرونتها القياسية على الاشتقاق ويكفينا فخرا ان نعدها لغة التنزيل للقرآن الكريم وبها نطق الحبيب الامين لقوله تعالى(نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)الشعراء/193-195فعدت وعاء الدين وعلم قائم بذاته لها مستوياتها العديدة والمختلفة التي تتميز بها كالصوتية والصرفية والنحوية والتركيبية والدلالية والمعجمية ففضل القران الكريم عظيم عليها فبسببه اصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجها وعالميتها في حين اندثرت معظم اللغات السامية
واللغة العربية لها سماتها العديدة التي تميزها من سواها فهي اكثر اللغات مرونة وسعة ويتجلى هذا في كثرة الفاظها وتنوع كلماتها والاطراد في قياس ابنيتها واساليبها المتنوعة ومنطقها العذب ومخارجها الواضحة فهي اللغة التي تمتاز بثبات الاصول حيث كتب بها الاجداد وفهمها الاحفاد والتي حافظت على روابطها الاشتقاقية مما حافظ على استمرار شخصيتها خلال العصور لذا تعد بحق من اقدم اللغات واكثرها اصالة فالأصالة والاختصار والايجاز من سماتها فخير الكلام ما قل ودل فالبلاغة ايجاز والإيجاز في الحرف بأن تكتب الحركات في العربية فوق الحرف او تحته على عكس غيرها من اللغات التي تأخذ بها الحركة حجما كالحرف فضلا عن انها لغة راقية في التعبير وتتميز في الفصاحة والبلاغة والصور الفنية البديعة فهي لغة ثابتة وراسخة لأنها ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ لأكثر من خمسة عشر قرنا حيث تكفل سبحانه بحفظ القرآن والعربية لغة القران محفوظة بحفظه وبطبيعة الحال فان الأصوات العربية ايضا ثابتة على مدى العصور والاجيال ولم يعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم فلها الخاصية الصوتية أي تمتلك اوسع مدرج صوتي عرفته اللغات حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين الى اقصى الحلق وتمتاز ايضا بخاصية الغزارة بمفرداتها فنظرة واحدة في معجم عربي تجد انك امام كم هائل من المواد اللغوية وهذه الخاصية بتقديرنا وهبها الله لها لضمان بقائها وقدرتها على النمو ومواجهة تصرفات الحياة كما تمتاز بالطبيعة الاشتقاقية أي ان المادة اللغوية الواحدة تدور حول معنى معين فالكلمات فيها لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في اسر وقبائل وللكلمة جسم وروح ولها ايضا نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها لذا تعد من خصائصها ايضا التعريب اذ يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي فكما يرتبط افراد المجتمع العربي وقبائله بصلات القربى والنسب والتضامن والتعاون ترتبط الفاظها في نسق خاص في حروفها واصواتها ومادتها وتركيبها وهيئتها وبنائها
من هذه القراءات نخلص ان العربية بحر لا ساحل له فهي وعاء الاسلام ومستودع ثقافته من ذخائر الامة ومخزونها الذي لا ينضب لذا نسجل دعوتنا الى ضرورة زيادة الوعي اللغوي والاخذ بها نحو استراتيجيات الوحدة اللغوية بالقضاء على التجزئة ونبذ الشعوبية والنفوذ الاجنبي في ميدان اللغة والفكر بالمحافظة عليها وعلى اسسها ومقوماتها لأنها سلوك وحضارة اذ تعكس تماسك المجتمع واتفاقه وعامل من عوامل ربط الفرد بالجماعة لأنها تسهم في التواصل والتفاعل بين البشر فهي اللغة التي اصطفاها الله وانزل بها القرآن فضلا عن انها اداة من ادوات تعلم كتاب الله وفهم آياته وسنة نبيه كما انها تساعد على نشرالعلوم الاسلامية والشرعية ففهم الاسلام قائم على فهم العربية لذا نستنتج انه لا يمكن فهم القران والسنة ومعرفة اسرارهما واستنباط الاحكام منهما لغير المتمكن من اللغة المباركة كما ان من شروط الاجتهاد والترجيح بين اقوال الائمة الالمام بعلوم اللغة العربية لذلك يعد فهم الكتاب والسنة فرض واجب ولا يفهم الا بفهم العربية وما لا يتم الواجب الا به فهو واجب لذا فقد آن الاوان لكي ننهض بلغتنا العربية وحضارتنا العريقة ونرتقي بعلومها وأدبها الجميل فغزارة الفاظها وثراء عباراتها وسعة وعمق معانيها اكسبها الخيرية الربانية السماوية التي اهلتها لتكون لسان اقدس كتاب واشرف كلام فأصبحت بذلك يعتمد عليها في استنباط اجل المعاني واعظم العلوم والمعارف من القرآن ماضيا وحاضرا والى الابد والتي تثبت عظمة القرآن وقدسيته وصلاحيته لكل زمان ومكان والحمد لله رب العالمين


اللغة العربية الواقع الافاق الاسلام


يجب تسجيل الدخول للمشاركة في اثراء الموضوع